«يا أيها الذين آمنوا، كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» آية كريمة مباركة ربما يفهم منها علة القوم، و«كتب» بمعنى فرض فرضاً هذا الصيام في شهر رمضان، والتقوى معناها امتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه. كأن الصوم بما فيه من تهذيب للنفس وتطهير للروح؛ لأنه لله عز وجل يسقط فيه الرياء ويحرم المسلم على نفسه ما كان حلالاً من مطعم ومشرب ونكاح، وبما فيه من تنزه عن الغيبة والنميمة واليمين الكاذبة، والنظر إلى الأجنبية بشهوة؛ كأن الصوم لهذه الأمور كلها وإطراح للرغائب والشهوات، يجعل المسلم قريباً من ربه، متقياً لعذابه، خائفاً من عقابه. والتقوى هي الوقاية من شيء ما، كأن الإنسان عندما يفطر في رمضان بغير عذر، ويأتي ما حرّمه الله عليه طيلة يوم الصوم يتعرض لعذاب الله تعالى. «لعلكم تتقون» لعل القيام يهذب أخلاقكم، ويوقظ في ضمائركم خشية الله تعالى، فلا عدوان على أحد ولا مصادرة حق أحد، ولا خروج على الحق، ولا زيغ عن الطريق. الصيام عبادة يكون نتاجها التقوى، كأن هذا الصيام بما فيه من انقطاع عن الشهوات الحلال من مطلع الفجر حتى مغرب الشمس، كأنه كافٍ لإيقاظ الشعور والجوارح لتنتبه لأداء الحقوق، حقوق الله وحقوق خلقه على السواء. يريد الإنسان أن يشرب فيجد الشراب ممنوعاً، ويريد أن يطعم فيجد الطعام ممنوعاً، ويريد أن يعاشر زوجه فيجد ذلك حراماً غليظاً. وتأتي شهوة الغيبة والنميمة والكذب فيذكر أنه صائم كما لو كان شهر رمضان كافياً لتذكير المسلم الموفق الذي يحبه الله، بالله واليوم الآخر. هو سلوك بشري يؤدي فيه المسلم فريضة الامتثال لأوامر الله ولأحكامه، كأن المسلم يتقرب بالضروري في حياته، الطعام والشراب والنكاح قرباناً وتضحية في سبيل المغفرة التي لا تكون إلا للمتقين الأبرار الأخيار. هي شهوات حسية، طعام وشراب ونكاح، وشهوات معنوية غيبة ونميمة وكذب ويمين فاجرة، وهي شهوات تفطر الصوم كما يفطر الطعام والشراب والنكاح، لأنها تضر بالآخرين، وتهدم كيان البنيان المجتمعي. إن التقوى لا تنال إلا بتضحية خالصة بالشهوات، ولا تتحقق إلا بهذا السلوك الملائكي، فالملائكة لا تطعم ولا تشرب ولا تنكح ولا تغتاب أو تكذب أو تنم أو تحلف فجوراً. التقوى عملية مجاهدة للنفس تهدف إلى أن يتخلق الإنسان بأخلاق الملائكة المقربين الأبرار، فاللهم اجعلنا من الصائمين المتقين، وخلّقنا بأخلاق الصالحين، واجعلنا ممن يشهد لهم رمضان يوم الدين.. آمين.