قال الله عز وجل:«كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» حديث قدسي ذكره الرسول – صلى الله عليه وسلم – حاكياً عن الله عز وجل، وكان ذلك الإكرام والإنعام سببه كما قال الله تعالى في رواية أخرى عند البخاري: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)، فكان الجزاء من نفس العمل؛ لأنها حكمة ومنحة ربانية إيجابية لأهل الصيام لا ينالها إلا مؤمن قوي الإيمان، أدى الصيام كما يحب تعالى ويرضى. وما أكثر حكم الصيام الإيجابية، ولا نستطيع حصرها في هذا المقام! لكن سنذكر بعضها وكيف دخلتها الرذائل السلبية عند بعض الناس فحوّلوها من قيم إيجابية إلى رذائل سلبية. أولاً: كما هو معلوم أن الصيام عبادة يتقرب العبد بها إلى ربه بترك محبوباته ومشتهياته من طعام وشراب ونكاح، وهي حكمة إيجابية من حكم الصيام، لكن ألم تلاحظوا أناساً حولوا العبادة إلى عادة، وأصبحوا صائمين عن الطعام والشراب والنكاح، لكن باتت ألسنتهم تفوح بروائح الرذائل السلبية كالكذب والغش والغيبة والنميمة وقول الزور وأكل أموال الناس بالباطل... وغيرها؟.. ألم تسمعوا عن أناس يخافون الله في النهار ولا يخافونه في الليل؟ فكيف ستتحقق العبادة وهناك أمور سيئة وسلبية تقدح في صحتها؟. وعليه فإن ذلك ينقلنا إلى حكمة أخرى من حكم الصيام وهي: التمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها وكسر النفس والحد من كبريائها حتى تخضع للحق وتلين للخلق وتتحقق العبادة حقاً وحقيقة؛ لأن مجاري الشيطان تضيق، ويفعل ذلك من وفقه الله تعالى، بعكس ما نراه في هذا الواقع من أناس لا يضبطون أنفسهم ولا يسيطرون عليها؛ فيجعلونها تصول وتجول كيفما تريد بدون وازع أخلاقي، وهي من الأمور السلبية التي تقدح في الصيام. ثانياً: إن الصيام ما فُرض إلا لتحقيق التقوى، وهذه حكمة إيجابية أخرى قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وكما عرّف العلماء التقوى بقولهم: التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل، ولذلك هل تحققت قيمة التقوى عند بعض الناس وخافوا من الله الجليل؟ ألم تروا أناساً يقرأون التنزيل - أي القرآن - في شهر رمضان ولا يعملون به ولا يطبقون ما قرأوا وكأن همهم تكثير القراءة وليس التطبيق؟ ناهيك عن أناس لا يقرأون أي شيء من القرآن سواء في رمضان أو غيره. ألم تشاهدوا أيضاً أناساً لا يقنعون بالقليل من الأكل عند إفطارهم؟ فتراهم يجمعون كثيراً من الأطعمة والأشربة في موائدهم، ليس من أجل الأكل أو الشرب، بل من أجل التباهي أو التفاخر هذا من جهة، ومن جهة أخرى يأكلون القليل من كل تلك المأكولات أو المشروبات ويرمون بالباقي إلى براميل القمامة، ولا يعلمون أن هناك فقراء ومساكين بحاجة إلى لقمة تسد جوعهم، وفي النهاية ما يتبقى إلا الرحيل، فيجازى كل إنسان بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذا يقودنا إلى حكمة أخرى من حكم الصيام وهي أن الغني يعرف به قدر نعمة الله عليه بالغنى فيجود في رمضان كما كان يجود نبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أجود الناس في رمضان، لكن بعض الأغنياء يجعلون من شهر الصيام فرصة لدر الأموال، ولم ينفقوا منها للسائل والمحروم، وهذه من الأمور السلبية التي يجب على الأغنياء تجنبها. ثالثاً: ومن حكم الصيام أن القلب يتخلى للتفكر والذكر؛ لأن تناول الشهوات يستوجب الغفلة ويعمي عن الحق كما قال العلماء؛ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، وهذه من الأمور الإيجابية التي تنتج فوائد صحية للجسم، لكن نرى بعض الناس يعدون شهر الصيام شهر أكل وشرب وسهر بعيدين عن الذكر والتفكر والروحانية والتوسط. أخيراً حكم الصيام الإيجابية كثيرة ينبغي للمسلم الصائم معرفتها والبحث عنها وتمثلها في نفسه أو في الحياة ولا يجعل الأمور السلبية تطغى عليه؛ لأن شهر رمضان فرصة لتعزيز القيم الإيجابية والمحافظة عليها، وفرصة لتغيير الرذائل السلبية والابتعاد عنها في كل وقت وحين؛ من أجل أن تزيد أجورنا ويجزينا الله سبحانه وتعالى الجزاء الأوفى، ونفرح بفطرنا وصومنا مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان يفرحهما :«إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». [email protected] رابط المقال على الفيس بوك