ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون»، وعلى هذا فإن الخطأ ملازم لبني آدم وليس بينهم معصوم سوى الأنبياء عليهم السلام وذلك أن العصمة مرتبطة بالوحي فمن يوحَ إليه معصوم، وارتكاب العاصي للمعصية لا يعني أنه كفر كما يرى الخوارج وأنه مخلد في النار، ولكن يجب النظر إليه على أنه مريض بحاجة إلى علاج والتوبة هي العلاج وقد لا يهتدي إلى التوبة بنفسه فكان لزاماً علينا نحن إخوانه المسلمين أن نساعده وندله على طريق التوبة بالحكمة والموعظة الحسنة وهذا من بعض حقوقه علينا والتي منها: (1) تحبيب التوبة إليه بتقديم القدوة الصالحة. (2) بعث الأمل في نفسه وعدم اليأس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «بشروا ولاتنفروا». (3) عدم تعييره بالمعصية فإن ذلك يساعد الشيطان عليه، وقد أوتي برجل ليجلد في شرب الخمر أكثر من مرة فقال بعض الصحابة: «ما أكثر ما يؤتى به»، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنه يحب الله ورسوله، ولا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. (4) تذكيره بأن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير وأنه جل شأنه غفور رحيم. (5) أن لا نشعره أننا أفضل وأزكى منه وأنه قد سفل عنا درجات بمعصيته فإن الشعور بالألفة والقرب أدعى إلى قبول النصيحة والموعظة. فقد خرج أحد الزهاد إلى طريق فوجد بعض الفتيان تبدو عليهم ملامح الطيش والعصيان فأغلظ لهم القول، فقال له أحدهم: يا هذا كفاك مابك، قال:وما بي؟ قال:إنك خرجت من بيتك وفي نفسك أنك أزكى عند الله منا، فبهت الزاهد وعاد إلى بيته يوبخ نفسه، لقد جاءت عظة العاصي للزاهد بليغة جداً جعلت ذلك الزاهد يلزم بيته ويبدأ بتأديب نفسه قبل أنفس الآخرين وكان يحيى بن معاذ (رحمه الله تعالى) ينشد في مجالسه: مواعظ الواعظ لن تقبلا حتى تعيها نفسه أولاً ياقوم من أظلم من واعظٍ خالف ما قد قاله للملا أظهر بين الناس إحسانه وبارز الرحمن لما خلا وقال غيره: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو سقيم ولا يعني هذا - أبداً - رفض الموعظة من العاصي بل يجب قبول الحق من أياً كان فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، وإنما أوردنا ما سبق للتأكيد على أن الإنسان معرض للخطأ، والله سبحانه وتعالى قد أكد هذه الطبيعة في خلقه فقد جاء في الحديث القدسي: «ياعبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم». المهم كيفية معالجة آثار المعصية في نفس العاصي، وهذا لايتأتى إلا متى شعر العاصي بحب الواعظ لله وحرصه على هدايته كحرصه على نفسه وفتح له أبواب الأمل الذي يدفع الإنسان إلى الخير والقبول به. يحكى أن رجلاً من الأمم السابقة كان قد قتل 99 شخصاً ثم عنّ له أن يتوب فذهب إلى أحد العُبّاد يسأله: هل لي من توبة؟ فأجابه الجاهل :لا، ليس لك توبة، فقتله، فكان تكملة المائة ثم ذهب إلى عالم وسأله: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم ، ودله على أهل قرية صالحين ليعيش معهم ويتعلم منهم.. فبينما هو في الطريق مات، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأمرهم الله أن يقيسوا المسافة بين القريتين فأي المسافة أقرب إليها القرية يكون في حكم أهلها فإن كانت قرية الصالحين غُفر له وإن كانت الأخرى كان من المعذبين ، ولكن الله عز وجل أراد له الرحمة وقبل توبته فأمر قرية الصالحين أن تقترب وأمر الأخرى أن تبتعد وغُفر له. وكما جاء في الحديث الشريف: «إن الله يفرح بتوبة عبده» والحديث طويل رواه أنس رضي الله عنه، فعلى الوعاظ أن يحسنوا عرض مواعظهم بعيداً عن التنفير، وأن يحببوا الله عز وجل إلى خلقه وليكن شعارهم «إن الله يغفر الذنوب جميعاً». وعلى العاصين أن يغتنموا فرصة هذا الشهر الكريم ليبدأوا صفحة جديدة مع ربهم وأن يتداركوا ما فاتهم فإن الموت ليس له ميعاد والتوبة قبل الموت تجبُّ ما قبلها. وليس العاصون وحدهم من عليهم الاستفادة من هذا الشهر الكريم الذي أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، بل يجب علينا جميعاً فكلنا مقصرون في حق الله عز وجل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة..» وفي رواية :«مائة مرة..» وهو المغفور له ماتقدم من ذنبه وماتأخر، والمحروم من حُرم التوبة والغفران في شهر رمضان. اللهم إنّا نسألك توبة نصوحا قبل الموت وأن تحيينا سعداء وتميتنا شهداء ونسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ونسألك اللهم أن ترفع عنا الغلاء والبلاء والفتن والزلازل والمحن ماظهر منها وما بطن واغفر اللهم للعاصين منا وهب المسيئين للمحسنين إنك سميع مجيب.. وتقبل الله صومكم.. آمين.