اختارت امريكا واوروبا العلمانية كمبدأ ينظم حياتهم فيما يتعلق بأمور الدولة والدين، فرأوا ضرورة الأخذ بالفصل بين الدين والدولة، وكأن العلمانية بمثابة رفض لهيمنة الكنيسة على أسباب الحياة ومحاولة فرض سياسة غير مقبولة على المجتمع العلمي بالذات، الذي كان يرى ضرورة إعمال العقل وأن تنطلق القدرات والملكات تكتشف ما سخره الله للإنسان في هذا الكون من أجل سيادته وسعادته، بينما رأت الكنيسة أن في ذلك تجاوزاً لسلطة الله الماثل في الكنيسة، وأن ارتياد آفاق الكون وارتياد مجاهله لابد أن يطابق مايوافق دين الكنيسة وعاداتها وتقاليدها، وأن ما يطمح إليه هؤلاء العلماء بدع وضلال وكفر، بل إن القول بأن الأرض تدور هو عين الكفر والضلال. في أمسية من آماسي رمضان دار سؤال من وحي مقالة للمفكر العربي محمد عابد الجابري، الذي اهتم شاغلاً نفسه باحترام العاقل، مرجعاً تخلف العالم العربي في القديم والجديد إلى عدم احترامه للعقل والأخذ بأسباب التطور، وربما قال أحد الناس داخل الوطن العربي إن النهضة العربية لن تتحقق إلا بما أخذ به النهضويون الأوروبيون وهو اللجوء إلى العلمانية، أن نفصل الدين عن الدنيا، أن نفصل حياتنا عن هذا الدين، لنتقدم كما تقدم الأوروبيون والأمريكيون. وأحسب أن هذا الرأي غير سديد، لأنه لا يقوم على معطى صحيح، فالدين الإسلامي غير الدين، الذي انكره الأوروبيون والأمريكيون، فالإسلام يحض على العقل وإعمال الفكر وأول مانزل فيه هو:[اقرأ باسم ربك الذي خلق] والقراءة لا تقتصر على القراءة في الكتاب الذي نعرفه، مؤلفاً من قراطيس، مكتوباً بالمداد، وإنما الكتاب هو الكون الكبير، الأرضون والسماوات، ثم إن هذا الإسلام يضبط السلوك ويقدم المعرفة مرافقة للأمانة والصدق والاخلاص، وأن العلم لهو الدين يقدم خدمة للإنسانية، بل إن هذا الإسلام هو الذي يعتبر العمل الدنيوي زرعاً للآخرة وأنه لا تنافي بين الدنيا والآخرة والدنيا كلها مزرعة للآخرة!! ثم كدت أسأل سؤالاً: وهو هل الأمريكيون علمانيون؟ إن الإدارة الأمريكية لا تعمل وفق العلمانية التي ارتضاها الأمريكيون وارتضاها الزعماء السابقون فهناك عودة عن هذه العلمانية إلى هذا الدين الذي يقدم كما هو الواقع المصالح الشخصية على حساب الشعوب الضعيفة المقهورة مثال ذلك ما صنعته الإدارة الأمريكية في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.. إن هذه الإدارة الأمريكية بقيادة المفكر والمنظر صامويل هنتغتون، وبوش الكبير والصغير وديك تشيني والسمراء رايس وماكين المرشح لرئاسة أمريكا عن الجمهوريين، هذه الإدارة تؤكد أن العلمانية لم تعد خيار الأمريكيين، بل ربما الأوروبيين، لأن المصالح الشخصية هي القيمة الغالبة.