أعود لأستأنف التواصل مع القارئ الكريم في هذا الحيز بعد انقطاع عن الكتابة خلال الشهر الفضيل وإجازة العيد، فضلاً عن تواجدي خارج اليمن في زيارة عمل. هذا الاعتذار لابد منه طالما نستمد من القارئ الكريم الثقة والحب، إذ لاقيمة للكاتب ولا وزن لكلماته مالم يكن على الطرف الآخر قارئ يتفاعل مع هذه الكتابات، ويمنحها حقها من التقويم والاستيعاب. وبفضل العلاقة المتينة بين الكاتب والقارئ تبزغ الأفكار وتتعدد الرؤى فتكون عصارة هذه العلاقة صدقاً في القول وعمقاً في التحليل واتساعاً في فهم الواقع ودراسة مشكلاته واعطاءها حقها من البحث والتوقف عند جزئياتها وعمومياتها بالصدق والمسئولية. وأتمنى أن أكون واحداً من الذين انخرطوا في هذه الرسالة وممن آمنوا بقدسيتها وسمو نبل أهدافها، والتصاقها الشديد بهموم الناس وقضاياهم بعيداً عن الإثارة والتدليس أو المبالغة والتزييف. أقول هذا وأنا أقرأ في الصحف كلاماً لايستقيم مع الواقع، ومفردات تخرج عن آدابنا وقيمنا، وأحرفاً ماأنزل الله بها من سلطان تبث الفرقة بين الناس، وتدعو إلى الوقيعة، فتنشر حديثاً يفتت عرى الوحدة ويحث على الانقسام بحشد أوجاع التخلف وهي مهما بدت صغيرة فإن أثرها عميق في زعزعة الثقة في النفوس، وذلك لو تعلمون خطير !. *** عود على بدء.. إن القارئ ينتظر من الكاتب أن يكون صادقاً في الحديث إليه عن قضاياه، وهذا ليس معناه تزييف وعيه باختلاق قصص وحكايات لاصلة لها بالواقع وحراكه الدائم. القارئ يريد من الكاتب أن يكون صادق الانتماء إلى مايتناوله من قضايا، فلا تأخذه الأهواء، ولايختلط عنده زيت فلان بدقيق فلان آخر. أما إذا أخذته الأهواء فقد وضع نفسه في منأى عما يبحث عنه القارئ، وإذا اختلطت أمامه الأمور بات غير قادر على تحديد الصواب من الخطأ تجاه اهتمامات هذا القارئ أيضاً. *** إذاً الكتابة مسئولية أولاً وأخيراً، وهي قبل ذلك عقد بين طرفي هذه العملية، حيث لا كاتب دون قارئ والعكس صحيح.. ولايمكن ان يحقق هذا العقد استمرارية في ظل غياب أحد الشروط التي تحدد طبيعة تلك العلاقة القائمة - في الأساس - على الثقة المتبادلة.. وقول الحقيقة، واستبعاد كل أشكال الزيف والنفاق، وقبل كل ذلك وبعده اعتساف الحقيقة. وأقول في هذا السياق.. لكم قرأنا وامتعتنا الحقيقة، لكننا سرعان مانكتشف ان ذلك كان اعتسافاً لها.. ولكم قرأنا فتساقط الكتّاب أمام ناظرينا لأنهم حرثوا البحر في لحظة تأمل زائف، ولكم آخرين غرقوا في لجج العبارات الثورية والعناوين الصاخبة والتحليلات الخيالية فوجدناهم فجأة خارج دائرة اهتمام القارئ، لأنهم استغلوا ثقته بمحاولة تزييف وعيه. *** ليعذرني القارئ إذا لم أحدثه اليوم في شأن عام، وعذري في ذلك أنني شديد الاهتمام بتذكير نفسي والقارئ أيضاً بثوابت «العقد» الذي بيننا.. فإلى تناولات قادمة على أسس هذه المبادئ.