سكت العالم وغضّ بصره عما يحدث في الصومال ، وترك هذا البلد يذهب بأهله إلى الجحيم أو يذهب به أهله إلى ذات المكان، لا فرق، فالنتيجة واحدة والبحر أوسع الأبواب المفتوحة أمام الصوماليين الهاربين من الجحيم إلى المجهول. وحده البحر لم يغلق أبوابه فيستقبل كل القادمين الهاربين إلى حيث يعلمون ولا يعلمون .. صار البحر مقبرة مفتوحة في سابقة لا أذكر مثلها ولا سبق أن قرأت مثلها إن كان البحر قد صار مقبرة لشعب من قبل، كما هو الآن بالنسبة لآلاف الصوماليين الهاربين من الموت إلى الموت والذين وجدوا أنفسهم في قبضة تجار الموت الذين يَعِدُونهم بالحياة ويهبونهم للغرق والموت على صهوة البحر، حيث لا أمل في الوصول إلى بر الأمان لمن يُترك هناك بجسد منهك جوعاً ومرضاً وخوفاً ، لكن لاخيار أمام هؤلاء المساكين سوى ملاقاة الموت بأسوأ صوره وقد خذلتهم آمالهم وخذلهم العالم بأسره حين وقف صامتاً يعد الضحايا الذين يلفظهم البحر على شواطئه لعل وعسى يدرك هذا العالم حجم الكارثة التي لحقت بالشعب الصومالي المحاصر بالموت من كل جانب، فلم يجد سوى البحر خياراً سيئاً ضمن خيارات كلها سيئة وربما أكثر سوءاً.. ومن يعلم ؟ الكثير ماتوا .. الكثير في عداد المفقودين .. الكثير ابتلعهم البحر .. الكثير ماتوا جوعاً على قوارب متهالكة لم تفلح بإيصالهم إلى الساحل فتاهت في البحر وطالت الأيام ونفد الطعام وألقي بهم في البحر طعاماً لكائناته ، والكثير أجبرهم المهربون على إلقاء أنفسهم أحياء في البحر وكان الموت باستقبالهم والمأساة هي عنوان الحكاية .. القليل منهم وصلت جثثهم إلى الشواطئ المختلفة وفي النادر يصل أحدهم وفيه بقية من حياة ليروي تفاصيل ما يحدث كل يوم على صهوة البحر من حكايات ومآسٍ ، ثم يستسلم للموت متأثراً بجراحه وآلامه وأحزانه وحسراته على من فقدهم من أهله ورفاقه .. ترى هل يُحاكم البحر على جرائم الإبادة الجماعية التي تحدث كل نهار وليل على صهوته ؟؟ وهل سيأتي يوم يحاكم فيه كل من له علاقة بهذه المذبحة التي تحدث على الماء ؟ لكن قبل هذا كله ألا يستحي هذا العالم الذي يدعي تقدماً وحضارة من هذا الوضع الذي لامثيل له ؟ بدأت الأصوات تتعالى وبدأ العالم يشعر بخطورة أعمال القرصنة التي تحدث قبالة السواحل الصومالية .. بدأ الاهتمام بالمشكلة في جانب واحد من نتائج الوضع القائم في الصومال والذي كان نتيجة حتمية لوضع خاطئ ومأساوي تجري أحداثه على أرض الصومال، وفتح أبواباً غير متوقعة ولم تكن واردة في حسبان العالم وهو يشاهد ما يجري بأعصاب باردة ولم يتحرك لوضع حد لهكذا مأساة. الوضع القائم في الصومال أوجد بيئة مناسبة لكل الأعمال المخالفة للقوانين والتي تشكل خطراً متنامياً لن يقف عند حد معلوم.. القراصنة الذين يجوبون البحر ويختطفون السفن بما فيها السفن التي تحمل الأسلحة من الشرق والغرب ما كان لهم أن يكونوا لولا زمن اللادولة في الصومال ولولا الصمت على مقبرة البحر المفتوحة أمام الصوماليين.. وفي زمن الضياع يمكن لأصحاب المصالح والمستفيدين من كل نوع استغلال هذا الوضع وتجنيد القراصنة لأغراض محددة لايدركون ما بعدها وتبقى الفائدة في أجندة من يقف خلف هذه الأعمال وهناك من يقف ..!!