نرددها كثيراً وتتردد على مسامعنا أحياناً كثيرة عبارة التربية قبل التعليم، ومن أجل ذلك أطلق على الوزارة المعنية بالتعليم وزارة التربية والتعليم.. انطلاقاً من قاعدة تربوية وتعليمية مستندة على دراسات وأبحاث في هذا الجانب خلصت إلى أن العملية التعليمية لن تستقيم وتؤتي ثمارها وتحقق الأهداف المتوخاة منها إلاّ بتلازم مسارها مع جانب التربية والتنشئة الحسنة القائمة على نيل الأخلاق وحسن التعامل. باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية ، إلاّ أن الحاصل في عصرنا الراهن يحكي خلاف ذلك تماماً، حيث اقتصر دور المدارس والجامعات والمعاهد على الجانب التعليمي الموجه عبر المناهج الدراسية من خلال توفير المدرسين والكتب المدرسية والأثاث والمعامل وغيرها من الوسائل والمتطلبات اللازمة لقيام العملية التعليمية.. وباتت المناهج خالية تماماً من المواضيع التي تغرس في عقول الطلاب والناشئة الأخلاق الحميدة والصفات الحسنة والتعامل الرفيع الذي يتماشى ويتناسب ورسالة التعليم السامية خلافاً لما كان عليه الحال في المناهج الدراسية السابقة والتي اعتمد المؤلفون لها بنسبة كبيرة على الجانب التربوي والتنويري كمقدمة ضرورية لابد أن تسبق مرحلة التعليم، وهو الأمر الذي انعكس بشكل ايجابي على سلوك الطلاب وأسهم في رفع مستوياتهم العلمية والمعرفية ، ويتجلى الاهتمام بجانب التربية في العملية التعليمية اعتماد مستوى الانضباط الدراسي والتحلي بالسلوكيات السوية والأخلاق السامية وحسن التعامل مع المعلمين والطلاب كمادة دراسية يمنح الطالب أو الطالبة عليها نفس درجة المواد العلمية، وهو الأمر الذي شجّع الجميع على الالتزام من أجل الحصول على أعلى العلامات في هذا الجانب الذي كان يعرف بالسلوك، ولكن العمل بهذا النظام توقف منذ عدة سنوات وهو ما أحدث تغييراً جذرياً في هذا المجال، حيث أضحت المدارس اليوم يقتصر دورها على تلقين الطلاب والطالبات ماهو موجود داخل المنهج الدراسي دون النظر إلى الجانب التربوي، لأن الأخير من وجهة نظر البعض القاصرة لا تسمن ولا تغني من جوع، علاوة على أن غالبية المعلمين اليوم يعتبرون أن مسألة التربية منوطة بالمرأة، والأسرة هي التي يجب عليها أن تغرس في نفوس أبنائها الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحسنة ، فتجد المعلم لا يأبه بأي سلوك يقوم به الطالب أمامه إذا لم يكن موجهاً ضده أو يترتب عليه إلحاق الضرر به وبهيبته ، بل إن إهمال وإغفال بعض المدرسين لعملية تربية الطلاب على نبل الأخلاق وحسن السلوك جعلهم عرضة للضرب والاعتداء من قبل الطلاب على مرأى ومسمع، وما أكثر الحوادث التي شهدها ولايزال قطاع التعليم في بلادنا وعلى وجه الخصوص التعليم المدرسي دونما اجراءات صارمة تحول دون ذلك. ولعل الحال الذي وصل إليه الطلاب في المدارس في أيامنا هذه يبعث على الحزن والحسرة والأسى، كيف لا ونحن نسمع طفلاً في السابعة من عمره يسوق لزميله ألفاظاً بذيئة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُصدر من طفل في هذه السن المبكرة، وقس على ذلك نماذج عديدة تمارس ذات السلوك داخل المدارس وخارجها ويتعدى الأمر صغار السن ليصل إلى مستويات دراسية متقدمة تزداد معها سلوكياتهم انجرافاً وبذاءة وتنمو وتترعرع معهم ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف عناصر موبوءة تفسد أخلاق المجتمع وتهدد قيمه السامية ، وتنشر التفسخ الأخلاقي والسلوكيات المنحرفة والأعمال الاجرامية بعد أن كان المعوّل عليهم بأن يكونوا عناصر إشعاع علمي ومعرفي تنهض بالوطن وتمضي به نحو آفاق من التطور والتقدم والنماء في شتى مناحي الحياة المختلفة. واللوم هنا مُنصبّ على الإخوة في وزارة التربية والتعليم الذين اهتموا بتأدية شق من رسالتهم فيما أغفلوا عن أداء الشق الآخر على الرغم من الأهمية التي يكتسبها، وهو ما نأمل بأن يتم استدراكه ومعالجته في القريب العاجل من أجل الحد من آثار مخلفاته التي لاحدود لها ، ومثلما هناك مواد خاصة بالرياضة والموسيقى والحاسوب فمن الأحرى أن تكون هناك مادة خاصة بالسلوك وأن يتم إعادة النظر في المنهج الدراسي بالشكل الذي يتضمن مفاهيم سلوكية وقيماً أخلاقية ومعاملاتية من شأنها إخراج جيل متسلح بالعلم والمعرفة ومتحصن بالسلوك السوي والأخلاق النبيلة ، جيل ينشد الرفعة والمجد والسؤدد ، جيل كله طموحات وتطلعات لاسقف لها ولا حدود. واللوم أيضاً هنا يقع على الأسرة صاحبة الدور الغائب تماماً إلاّ فيما ندر، حيث يعاني الطلاب منذ الصغر حالة من القطيعة مع آبائهم وأمهاتهم فيما يتعلق بجانب التربية الأسرية نظراً لانشغال الآباء بمجالس القات والأمهات بجلسات «التفرطة» النسائية وأعمال المطبخ على حساب تربية الأطفال وتأديبهم وتنشئتهم التنشئة الحسنة.. وكثيراً ما نشاهد الكثير من أولياء الأمور الذين ينعتون أولادهم بأوصاف لا تليق ويتفوهون بكلام بذيء ويمارسون سلوكيات وأعمالاً غير سوية وهو ما يفقدهم القدرة على تربيتهم على اعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه وهو ما يحتم على أرباب الأسر ضرورة إعطاء تربية أولادهم وغرس مفاهيم الحياة الكريمة والأخلاق الفاضلة والسجايا النبيلة والسلوك الحسن مساحة واسعة ضمن دائرة اهتماماتهم، انطلاقاً من المسؤولية الإلهية المنوطة بهم والتي سيُحاسبون عليها، وعليهم الاستعداد الجيد لذلك لضمان السعادة الدائمة والحياة الهانئة والكريمة في الدنيا والآخرة.