يشكل التنين جزءاً هاماً من الموروث الحضاري لشعوب الشرق الآسيوي.. وهو في الصين الذي يتطور معها حضوره في الحياة العامة وبقدر طوله وتقلص جسمه وامتداده فهو يرسم له حضوراً قوياً ليس في الصين وحدها وقد امتلكت زمام الفضاء الكوني برحلة تستكشف فيه أغواره لتكون رائدة في استكشاف الفضاء ومن الأمم النادرة في ذلك، بل وهو كذلك في اليابان بلد المسنين التي يتمتع شيوخها ومعمروها بمكانة كبيرة و تلبية لاحتياجاتهم، نظراً لدورهم السابق فهاهم ينالون جوائز نوبل للفيزياء لعام 8002م لثلاثة يابانيين أحدهم صاحب جنسية أمريكية.. كل الشعوب تقوم وتنهض بعد سقوط أو هزيمة، فاليابان خرجت مهزومة ومكبلة بقيود عالمية في ألا تتعاطى السياسة الدولية والعسكرية والصين عانت في القرنين «91 02» مرارة الاحتلال الأجنبي بما فيه الياباني والبريطاني ومن شعب تعاطى مكرهاً الدعارة والأفيون إلى شعب استرجع العديد من أراضيه هونج كونج وأصبح محاوراً قوياً يحسب له ألف حساب مع جزء من جسده الصين الوطنية تايوان في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية. والحال نفسه إزاء النهضة التي شهدتها دول شرق آسيا بدءاً بماليزيا قبلة السياحة والتعليم إلى أندونيسيا والفلبين وتايلند في الصناعات الاستخراجية والتحويلية، ودول تقدم خبراتها البشرية وصناعاتها واقتصاداتها السياحية والصناعية الجاذبة للأموال والسياح وعائدات عامليها وتقدم للعالم في الوقت نفسه تعايشات دينية وعرقية وثقافية تلتقي على حب الوطن واحترام الدين والتنوع الثقافي. إن الأمر يمتد إلى الهند وهي تقدم تجارب فضائية حين زار روادها في رحلة مكوكية الفضاء بخبرات هندية صرفة 001% أنفقت الهند ملايين الدولارات لبناء محطة كونية، والأخرى الباكستان وهي تمتلك أسرار الصناعات النووية إلى إيران وهي تعيش معترك الاستخدام النووي وما تواجهه من تحديات أوروبية أمريكية، أما الكوريتان فرغم تناقض نظاميهما فالشمال هو الآخر يمتلك أسراراً وخبرات نووية مروجاً لها ومتعاطياً معها بكل اقتدار رغم الحصار وظروف الفقر الذي يحاول أعداؤه إبرازها، ولكنها مسألة استراتيجية أن تصل الشعوب وخاصة الآسيوية إلى مستوى كسر الاحتكار الغربي بأنه الوحيد الذي لديه الشفرة النووية وألا يكون في متناول الشعوب الأخرى ذلك حتى تكون هي صاحبة الاحتكار النووي، بل ها هم الآسيويون يكسرون الاحتكار ويخوضون نضالاً نووياً سلمياً وعسكرياً ، فمازال شبح القنبلة الذرية ماثلاً وضحاياه في هيروشيما وناجازاكي.. هذا هو الحراك الثقافي والاقتصادي العالمي، هذه هي العولمة الآسيوية وهذا تنينها المارد ونمرها القادم من وكره الاستوائي حاملاً جرة خزفية تعيد أمجاد الامبراطوريات الصينية القديمة وسورها العظيم وحريرها الرقيق وأباطرتها. إن الشعوب تصنع معجزات ولكنها تحتاج لقيادات أو ما نسميه اليوم حكومات تعمل على ترتيب أولوياتها التنموية وتضع اعتباراً للتعليم ولسيادة القانون والنظام واحترام الفرد والفروقات الفردية والقدرات ليتم تحقيق تقدم علمي حتى لا تغادر هذه العقول أوطانها وحتى تُستثمر لصالح التطور، فالأموال لاتكفي وحدها دون خطط تنموية ودون عقول ذكية تُستثمر ويترك لها المجال في ذلك. فهذه الدول في معظمها لاتمتلك الأموال أو الطاقات النفطية على سبيل المثال ولكنها تمتلك العقول والإدارة القادرة على جذب الأموال وتوفير المناخ الاستثماري الآمن ومن ثم تستطيع فعلاً وعبر الإدارة الوصول إلى تحقيق أحلامها العليا. لا أظن أننا لا نستطيع الاقتداء بهذه الشعوب أو أننا أقل منهم أو أنهم ليس لهم من العادات والتقاليد التي تعيق عملهم ولكنهم سخروها لتحقيق طموحاتهم أو أن ليس لديهم أخطاء فكل ذلك موجود ولكن بالطبع لديهم قوانين صارمة تطبق على الجميع. ولكننا نحتاج لدراسة تجارب هؤلاء كيف بدأوا؟ وكيف ساروا؟ وكيف لبوا احتياجاتهم العلمية والعملية؟ وكيف لبوا احتياجات السوق؟ وكيف نمّوا قدراتهم ودربوها؟ وهل يختلف إنسانهم عن إنساننا؟ إن علينا دراسة اقتصادهم ومعرفة بواطن الضعف والقوة وأن ندرس تجربة كل بلد على حدة.. إننا أمام طيف من التجارب بمختلف أنماط الثقافة والعلوم والتحديات, وهذه الشعوب لاشك أمامها تحديات وصراعات ولديها من المعوقات التنموية والطبيعية والخارجية الكثير من أموال ومواد خام وأسواق لانسياب منتجاتها ولديها من الأخطاء ليس آخرها التزوير للمنتجات والحيلولة دون التعامل مع قوانين التجارة العالمية كأسواق دول نامية.