هذه الأيام نجد أن قناة العربية شغّالة في مسألة المس الشيطاني والمعالجين سواء بالقرآن أم بالصليب عند القسيسين.. والمتابع لهذه الحلقات سيجدها توجهاً في خط واحد وكأنها تؤكد الظاهرة وفي الجانب الآخر أعطت للمشعوذين- الذين يجب محاربتهم - مساحة واسعة للتحرك بين البسطاء من الناس الذين نتيجة جهلهم لو«كح» الواحد منهم شخّص حالته بأن جني«يركضه» وليس مريضاً وعلاجه الصحيح روشتة طبيب. فلا تستغرب عزيزي القارئ إن علمت أن دراسة للمركز المصري للبحوث تشير إلى وجود مليون مصري يعتقدون انهم ممسوسون وان هناك 053 ألفا يعملون في مجال العلاج من الجن بالجن!! هذه الدراسة أجريت عام 3002م مايعني ان العدد خلال الخمس السنوات الماضية قد تضاعف .. فكيف ببقية الدول ومنها بلادنا مادمنا ننشر ثقافة الجهل والخرافة صوتاً وصورة عبر إعلام يؤصل لوجود أمراض يسببها الجن في نفوس بني آدم. اللافت في الأمر وأنا أشاهد الحلقات أن المعالج بالقرآن لابد ان يستخدم عضلاته لطرد ابليس الرجيم من الجسد المسكون وبدون تعذيب على طريقة «أبو غريب» لايكتب الشفاء للمريض بينما المعالج بالصليب ليس له علاقة بالضرب ولا الطرح على الأرض ليثبت الضحية ، فقط القس ينفث الماء المقدس وينفخ ثلاث نفخات في وجه الممسوس فيخرج الجني بسرعة البرق فلا يسأل الساكن عن اسمه ولا عن من أرسله كما يفعل معالجو القرآن والتي تكون دائماً إجابات الجني خراب بيوت وفتنة قد تؤدي إلى الاقتتال وهذا لايعني أننا نرجح معالجة المرضى بالصلبان وتمائم الشيطان. حدث اني حضرت علاج فتاة متزوجة أوهمت زوجها انها مسحورة فلم يكن من الشيخ سوى ان ضغط على الشريان المغذي للدماغ بالدم .. وأخذ يطلب من الجني ان يفصح عن اسمه ومن أرسله وبعد الصفع والرفس خرج الجني عن صمته وأخبر الجميع انه جني يهودي «مرجان» أرسله صديق زوجها الحميم إليها حتى يأخذها لنفسه.. وما أن سمع الزوج حتى كاد الدم ان ينفجر من وجهه لخيانة صديق العمر لولا تدخل أحد الحاضرين الذي شعر بأن المسألة كلها تمثيل في تمثيل وان الشيخ المعالج «فالصو» وأقنعت زوجها بأن مايجري أمام عينيه مسرحية الهدف منها ان تفرق بينهما لولا ذلك لحدث مالم يكن في الحسبان.. وأعتقد ان المعالج هو نفسه يعلم ان المرأة ليس بها جني ولايحزنون، ولكن هؤلاء الدجالين دائماً يسايرون الضحية لأنهم يؤمنون ان رزق الهبل على المجانين. فالعلماء الأفاضل والطب النفسي يرفضون الخوض في مثل هذه الأباطيل وينكرون تلبس الجن ببني البشر كيوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وغيرهما بل ان الأزهر الشريف أفتى بخصوص العلاج بالقرآن لشفاء الأمراض واعتبر التعامل مع القرآن الكريم ككتاب طب هو تقليل من شأنه هذا إذا علمنا أن أغلب المدعين بعلاج الجن بالقرآن خلفيتهم الدينية سطحية وقراءتهم للقرآن الكريم مكسرة.. أنا لاأنكر أننا لسنا ممسوسين بالجن في هذا الزمن ففي داخلنا كتائب من الأبالسة كجن ارتفاع الأسعار وجن البطالة وجن تأخر الزواج وجن مسئولينا في العمل وكلها تجعلنا نعيش حياة نفسية تتشبه لنا بصورة ابليس الرجيم والعياذ بالله.