لا عجب إن أخمدت فرحة العيد في قلوب المواطنين وتحولت إلى آهات موجعة، فالعيد في نظر الكثيرين -عبثاً- يثقل كاهلهم بمتطلباته التي يجبرون على توفيرها مهما كانت ظروفهم المادية صعبة، ولهذا لم يعد العيد يحظى بالاهتمام والاستقبال الذي كان يحظى به سابقاً حين كانت الظروف المعيشية أفضل بكثير مما هو الوقت الراهن فلا عجب أبداً إن بدا الاستقبال للعيد باهتاً، فالكثيرون ينظرون إليه وكأنه ضيف ثقيل غير مرغوب فيه ويعتبرون قدومه مفاجأة غير سارة وغير متوقع وصوله بهذه السرعة قبل أن يستعدوا له أو بمعنى آخر قبل أن يُمنحوا الوقت الكافي لتوفير ولو جزءاً من متطلباته التي تقصم الظهر وتدمي القلب وتزرع الحسرة والأسى في النفوس خصوصاً عند أولئك الذين لازالوا مثقلين بديون عيد الفطر المبارك ولم يستطيعوا بعد الخروج من دوامة الديون المتراكمة في ظل غلاء فاحش لم يترك لهم مجالاً لحلحلة جزء من تلك الديون.. أحد المواطنين لم يصدق أذنيه وهو يسمع تكبيرات العيد مع قدوم أول الأيام العشر من ذي الحجة ولهول الصدمة ظهر وكأنه يبشر بكارثة حلت عليه وحاول جاهداً أن يكذّب ما سمع وهو ينظر لمن حوله بدهشة ويضع يديه على رأسه، وأخذ يتلفت يميناً ويساراً على أمل أن يسمع صوتاً يهدئ من روعه ويقول له إن العيد لايزال بعيداً وبيننا وبينه أشهر طوال.. وحين يئس لم يجد مجالاً غير أن يسأل من كان يجلس إلى جواره فوق الباص: «قلك العيد بعد أسبوع نعم هو جنان؟!» إلا أن من استعان به ليس بأحسن حالاً منه واكتفى بهز رأسه رداً على سؤال صاحبه وربما المفاجأة قد عقدت لسانه ولم يعد قادراً على النطق حينها أيقن صاحبنا بأن العيد على بعد أيام قلائل ولامجال أبداً لتأجيل وصوله أو تأخير موعده.. فأطرق مفكراً وعلى وجهه حزن كبير كيف لا؟.. وهو رب أسرة بحاجة إلى مصاريف باهظة أهمها كسوة الأطفال وكبش العيد الذي يعتبر ضرورة لايجب التفريط فيها أو التنازل عنها وعلى رب الأسرة أن يعمل كل ما بوسعه لتلبية هذه المتطلبات، فالعيد ليس له طعم أو لون أو رائحة بدون الكبش ولهذا فقد أصبح حديث الساعة ولا همّ للمواطنين إلا السؤال عن أسعار الكباش.. أحد الزملاء قال قصيدة بكائية في رثاء كبش العيد الذي مات رغم كل الاحتياطات التي وضعها وسبل الراحة التي وفرها له وكانت فجيعته بكبشه كفجيعة الخنساء بأخيها صخر. على كل حال، كثير من الأسر تعيش معاناة دائمة ويزيد العيد من معاناتهم حين لايجدون ما يشعرهم بأنهم في يوم عيد.. فهل يضع أهل الخير والميسورين والجمعيات الخيرية هذا الأمر في اعتبارهم ويقدمون لهؤلاء المحتاجين ما يزرع الفرحة في نفوسهم؟ فكم هو جميل أن نمسح دمعة طفل يتيم في مثل هذا اليوم أم أن الصدقة وفعل الخير أصبحا لأغراض أخرى غير ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.. وكل عام وأنتم بخير.