قبل أيام صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار الخاص بالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية, القرار جاء كمبادرة أمريكية روسية حيث حظي القرار بتأييد «41» دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت وهي ليبيا العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن وبررت امتناعها لأن القرار تفادى ذكر أية شكاوى تقدم بها الفلسطينيون وتعيق عملية السلام. هذا القرار يعد أول قرار يصدره مجلس الأمن حول النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي منذ العام 3002م عندما تبنى مجلس الأمن خطة «خارطة الطريق» لتحقيق السلام وإقامة دولة فلسطينية وتضمن القرار الأخير تأييد المبادئ المتفق عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول عملية المفاوضات الثنائية وجهودهما المشتركة لتحقيق هدفهم بعقد اتفاقية سلام تحل كل القضايا المعلقة بمافيها جميع القضايا الرئيسية بدون استثناء، ودعا القرار جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها والابتعاد عن أية خطوات قد تقوض الثقة أو تؤثر على نتيجة المفاوضات». وحث القرار على تعزيز الجهود الدبلوماسية لتحقيق الاعتراف المتبادل والتعايش السلمي بين جميع دول المنطقة في اطار تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط. ردود الفعل حول هذا القرار تباينت من قبل جميع الأطراف الفلسطينية والعربية والإسرائيلية والدولية، السلطة الفلسطينية وصفت القرار على لسان المتحدث الرسمي باسم السلطة الفلسطينية «أبو ردينة» بالمشجع خاصة أنه يدعو إلى دعم المجموعة الدولية الكاملة لعملية السلام وتمكين الفلسطينيين من الاحتفاظ بالأمل في تحقيق السلام. وفي إسرائيل أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً نقل عن وزيرة الخارجية «تسيبي ليفني» قولها «إن إسرائيل ستواصل المفاوضات الثنائية مع السلطة الفلسطينية إلا أنه يجب أن توافق هذه المفاوضات جهود ضد نظام حماس والجماعات الارهابية التي تستهدف المواطنين «حسب تعبير الخارجية الإسرائيلية» .. على المستوى العربي وصف الأمين العام للجامعة العربية القرار بأنه مخيب للأمال لأنه لم يتضمن الإشارة للحقوق والمطالب الفلسطينية ولم يشر إلى استمرار الاستيطان الصهيوني.. حماس من جهتها رفضت القرار معتبرة أنه غير ذي جدوى ولايخدم القضية الفلسطينية.. أما كونداليزا رايس فقد وصفت القرار بأنه تأكيد على ايمان المجموعة الدولية بأن لا تراجع عن عملية أنا بولس. قراءة القرار من حيث بنوده وتوقيته وردود الفعل عليه يمكن أن تضع اجابة على علامات استفهام عديدة فالإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها وجدت نفسها أمام تحد صعب وهي التي وعدت العالم في منتصف العام 7002م بأنه لن تأتي نهاية العام 8002م إلا وقد توصل الفلسطينيون والإسرائيليون إلى اتفاق شامل وتم إعلان الدولة الفلسطينية، إلا أن العام 8002م وصل إلى نهايته ولم يتحقق شيئ من ذلك. وكان جورج بوش يُمنّي نفسه أن لا تأتي نهاية ولايته إلا وقد توصل أطراف النزاع إلى حل لهذه المشكلة ولو كان ذلك على حساب الحق الفلسطيني وسعت إدارته لاستغلال الانقسام الفلسطيني لتمرير اتفاق مع السلطة الفلسطينية عبر مؤتمر أنابولس إلا أن الموقف الأمريكي المتميز إلى جانب إسرائيل وعدم وقوف الوسيط على بعد متساوٍ من الطرفين وممارسة الضغط على الطرف الأضعف أفقد هذه الأمنية مبتغاها. فمؤتمر أنابولس الذي حشدت لأجله الإدارة الأمريكية كل أسباب النجاح «من وجهة نظرها» فشل قبل أن يولد بسبب التعنت الإسرائيلي والتساهل الأمريكي فقد وضعت إسرائيل عقبات جديدة عشية انعقاد المؤتمر حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن على الفلسطينيين اذا ما أرادوا الوصول إلى اتفاقية سلام أن يعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية وهو مايعني اجهاض أية محاولة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بل ويخلق مشكلة جديدة تتعلق بوضع فلسطينيي 84 أو الفلسطينيين داخل الخط الأخضر الذين يعيشون داخل إسرائيل وهو ماتأكد من مغزى تلك المطالب حين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية أن على عرب إسرائيل أن يعيشوا في الدولة الفلسطينية بمعنى أن عليهم أن يرحلوا من إسرائيل أو يطردوا من أراضيهم وبيوتهم ليتحولوا إلى لاجئين جدد ويزيدوا من حجم المشكلة. «أنا بولس» فشل على كل المستويات ولأنه لم يكتسب الشرعية الدولية فقد ارادت إدارة بوش أن تكسبه شرعية دولية وأن تجعل منه مرجعية دولية لأية مفاوضات قادمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستبدال مقرراته بقرارات الشرعية الدولية السابقة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي تعطي الفلسطينيين حقوقهم سواءً فيما يتعلق بحق العودة أو حق تأسيس دولة والانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 5 يونيو 7691م. كعادتها كونداليزارايس رفضت القول بأن الفشل في التوصل إلى اتفاقية سلام فلسطينية - إسرائيلية نهاية العام الحالي يعني أن العملية فشلت وهو تعبير غير منطقي لأن كل المؤشرات تقول إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب الموقف الأمريكي.. ويعد القرار الأخير لمجلس الأمن أحد عوامل هذا الانسداد فليس القرار تأكيداً على الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل لكنه ايضاً خطوة من قبل الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها ومحاولة منها في تقييد الإدارة الأمريكية الجديدة والمجتمع الدولي بعملية أنابولس الفاشلة.. المجتمع الدولي ساهم ويساهم في زيادة معاناة الشعب الفلسطيني بالتغاضي عن الممارسات الإسرائيلية وتجاوبه مع الإدارة الأمريكية في اصدار مثل هذه القرارات التي تساوي بين الجاني والمجني عليه دون أن يثار تساؤل عما تحقق ؟ من القرارات السابقة ومسئولية كل الأطراف عن عدم تنفيذها ماالذي تحقق من خارطة الطريق؟ وماذا قدمت اللجنة الرباعية ؟ وإلى أي مدى التزمت إسرائيل بمقررات اللجنة وخارطة الطريق ؟ فعلى مستوى اطلاق الأسرى تطلق إسرائيل العشرات وتعتقل الآلاف والاستيطان تضاعف ثمان وثلاثين مرة والحواجز ارتفعت من 125 إلى 796 وأقامت الجدار العازل وصادرت أراضي الفلسطينيين وأطلقت للمستوطنين الحرية في الاستيلاء على منازل الفلسطينيين كان آخر هذه المنازل منزل القيادي الفلسطيني «ياسر عبده ربه» واستخدام الطائرات في اغتيال الفلسطينيين رغم سريان اتفاقية التهدئة ومواصلة حصار قطاع غزة بعمل غير إنساني وغير أخلاقي ترفضه كل القوانين والشرائع والأعراف الدولية والإنسانية لأنها بذلك تعاقب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بأكمله في ظل أن المبرر هو اطلاق صواريخ على جنوب إسرائيل لم يشهد أن أحد هذه الصواريخ هدم منزلاً أو قتل شخصاً لأنها لاتعدو أن تكون ألعاباً نارية فأي مقارنة يبن الحدثين.. على الجانب الفلسطيني فإن الخلاف بين قبيلتي «حماس وفتح» تجاوز الاختلافات الشكلية ووصل إلى الاختلاف في الرؤى والسياسات والمواقف الاستراتيجية وهو ماينذر بمخاطر كبيرة على القضية الفلسطينية لأنه ليس أصعب من أن تتحول القضية الفلسطينية إلى مشروعات متباينة لاتقسِّمان فقط الفصائل الفلسطينية بل انها تقسم المواقف العربية لدول ذات النفوذ المؤثر على الوسط الفلسطيني وينتقل الخلاف من فلسطيني فلسطيني إلى عربي - عربي ولذلك فإن الموقف من هذا القرار كان متبايناً على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى العربي وسياق هذه المواقف لم يكن نابعاً من رؤية استراتيجية وانما من رؤية ضدية وندية ضد الآخر الفلسطيني أو الآخر العربي، إن استمرار الخلاف الفلسطيني يدفع إلى المزيد من حالة الانهيار في الموقف الفلسطيني والموقف العربي وهو مايخدم الجانب الإسرائيلي في كل مراحل القضية الفلسطينية وفي المستقبل.