لا أظن أن أقلامنا ستنسى يوماً وجه العراقية «أم زينب» تلك المرأة التي لم يبق بيت يمني لم يذرف الدموع لدموعها، وهي تروي كيف قطعوا جسد ابنتها في مشرحة كلية الطب بجامعة صنعاء.. ولايمكن أن ننسى أبداً وجه السفاح السوداني «محمد آدم» الذي وقف بكل وقاحة معترفاً بأن الطالبة «زينب» لم تكن أول ضحاياه، بل آخرهن لأنه أصبح بقبضة الأجهزة الأمنية..! يبدو أن «محمد آدم» تحول إلى «لعنة» أشبه بتلك التي نراها في الأفلام تطارد الأبرياء وتنتقم منهم، مثلما يفعل «آدم» اليوم بأجيال طلاب كلية طب صنعاء التي مازال شبحه يطارد عمداءها ومسئولي معاملها، وأساتذتها، ويفزعهم من المشرحة والجثث. طلاب وطالبات كلية الطب ربما يستحقون إدراجهم في موسوعة «غينيس» لتسجيلهم رقماً قياسياً عالمياً بأنهم أول أطباء في العالم يدرسون علم التشريح على جثة بلاستيكية.. لأن عمادة الكلية تخشى أن تنبعث روح «محمد آدم» بأي جثة حقيقية يتم فتحها للطلاب... لكن الطلاب والطالبات أثبتوا أنهم أشجع من عمادة كليتهم، لذلك هم بين الحين والآخر يذهبون إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا (الأهلية) للفرجة على الجثث البشرية الحقيقية، ولمس أجزائها، واكتشاف أسرارها... وكم يذكرني هذا الموقف بالمثل الشعبي اليمني (رجع البحر يستعطي من الساحل)، وإلاّ كيف لطلاب جامعة حكومية يتسولون منظر الجثة الحقيقية على أبواب جامعة أهلية، كان عمداؤها الأسبق إدراكاً للفرق بين التعليم على جثة والتعليم على «دمية» بلاستيكية لاتختلف عن عرائس الفتيات..! قبل فترة غير قصيرة استوردت كلية طب صنعاء أربع جثث بشرية (ذكرية) من ألمانيا، وأعدت لها غرفة بمواد حافظة، وأوصدت عليها الأبواب، ورمت مفاتيحها في قعر بئر، فلا أحد يجرؤ على الاقتراب من هذه الغرفة... ويا ويله وسواد ليله الطالب أو الطالبة الذي يحاول التلصص على الجثث من خلف زجاج الباب الخارجي، فإن الدنيا ستقوم ولن تقعد... فهل يصدق أن هناك طلاب كلية طب محرم عليهم حتى النظر من خلف زجاج الباب إلى جثة حقيقية..!! ألهذه الدرجة بلغ الفزع عند عمادة كلية طب صنعاء من شبح «محمد آدم»!؟ ثم لماذا استوردت الجامعة الجثث الأربع إذا لم تكن لديها نية تعليم الطلاب عليها؟! أم أن القصد كان فسحة مجانية في برلين؟! ربما عمادة الكلية لم تعرف بعد ماذا يعني أن تقوم جامعة حكومية بتدريس علم التشريح لطلبة كلية الطب على دمية بلاستيكية... لأنها بهذا الفعل تضع «سُنّة» لبقية الجامعات الأهلية بأن تفعل الشيء نفسه، ولن يكون بوسع الوزارة محاسبة أحد لو أحضر لطلابه «دمية» ابنته الصغيرة.. فليس في القانون توصيف للدمية البلاستيكية، رغم علمنا المسبق أن ما تستخدمه كلية طب صنعاء مخصص للتشريح، ويستخدم في جامعات عالمية، وبكلفة آلاف الدولارات - ولكن غير مخصص للدروس العملية وهناك دائماً بجانبه جثة بشرية حقيقية... لا أحد يخاف أن يقفز منها شبح «محمد آدم» .. فهل ستنتظر اليمن دفعة أطباء تخصص (جراحة بلاستيكية)!؟