ما يحدث في طوارئ المستشفيات ليلاً لا يمكن ان يصدقه إلا من يكتب الله عليه الذهاب إلى هناك مريضاً أو مرافقاً لمريض.. هناك يدرك الإنسان كم هي نعمة الصحة عظيمة وسوف يحمد الله كثيراً عليها ويسأله ان يديمها عليه وعلى الناس جميعاً حتى لا يضطر الواحد منهم أن يذهب إلى المستشفيات لا ليلاً ولا نهاراً، ذلك ان الذاهب إليها سوف يرى أموراً ما كان له ان يدركها أو يصدقها وهو في بيته معتمداً على فكرة ان الأطباء هم ملائكة رحمة على الأرض ويصدق ذلك عندما يرى هؤلاء بملابسهم البيضاء في غرف المستشفيات وفي الممرات ويربط في مخيلته بين بياض الملابس وبياض القلوب والنفوس، بينما الحقيقة مختلفة جداً إلى درجة تستدعي الأسى وتصيب من لا يعلمها ولا يتوقعها بالصدمة وخيبة الأمل. قبل أن أحكي تفاصيل ما شاهدته أود ان ابقي على باب الأمل مفتوحاً وأقول ان هناك من الأطباء من يستحق التقدير والاحترام وكل الاوصاف الطيبة بما في ذلك وصفهم بملائكة الرحمة ان جاز هذا الوصف وان كنت لم أجد أحد هؤلاء ذات ليلة قريبة مضت لكن من المؤكد ان هؤلاء ان غابوا عن مكان حضروا في مكان آخر وعليه يبقى الحديث هنا عن بعض الأطباء.. ما حدث في تلك الليلة كان في المستشفى الأول في العاصمة وربما في الجمهورية وفي قسم الطوارئ تحديداً.. وصل المريض بحالة سيئة للغاية بعد منتصف الليل بقليل وهذا المكان هو المكان الوحيد الذي يفترض ان يصل إليه بوصفه قسم الطوارئ في المستشفى غير ان المفاهيم كلها تغيرت هناك عندما لم يعره الأطباء أدنى اهتمام يليق بالمكان وبمهنة الطب أو على الأقل يليق بالقيم الإنسانية التي تحتم الالتفات إليه نظراً لحالته.. شيء من ذلك كله لم يحدث، ذهب المرافقون إلى الأطباء الواحد تلو الآخر وكل طبيب يحيلهم على غيره حتى اكتمل عدد الأطباء المناوبين في قسم الطوارئ..لم يكن هؤلاء الأطباء جميعهم منشغلين بالمرضى فالكثير منهم يديرون احاديث جانبية مع بعضهم والبعض منهم يتحركون في الممرات ذهاباً واياباً لا يفعلون شيئاً وينظرون لهذا المريض بحالته دون ان يحرك الواحد منهم ساكناً أو يسأل عن حالته أو على الأقل يحاول ان يخفف من روع أهله ويطمأنهم عن حالته.. وعندما ضاق مرافقوه ذرعاً من تجاهل الأطباء ونفد صبرهم بدأت الأصوات تتعالى متذمرة من هكذا وضع ومن أطباء لا يحترمون المكان الذي يعملون فيه ولا يحترمون أنفسهم أو مهنتهم ولا يقيمون وزناً لمشاعر الناس وآلامهم وخوفهم أحياناً ولا يشعرون بمعاناة المريض الذي يتلوى من الألم إلى حد الغيبوبة ومع كل هذا ينتقدون من يرفع صوته من ذوي المرضى مطالباً بالنظر إلى مريضه.. مشهد ما كنت أتوقع حدوثه لولا ان شاهدته بعيني وعندما حاولت أن أقنع نفسي والتمس لهؤلاء العذر وأقول بأن ما حدث كان في لحظة ارباك بالنسبة لهم بالرغم من قلة المرضى والحالات الواصلة في ذلك الوقت إلا ان الأمور لم تمر على ما أريد عندما وصل إلى الطوارئ طفل في العاشرة من العمر تقريباً وكان صوته يشق المكان متألماً كنت أظن في تلك اللحظة ان ملائكة الرحمة سوف يتسابقون إليه من كل جانب ليفعلوا شيئاً يخفف آلامه لكن ظني خاب وهكذا تخيب الظنون في ذلك المكان، لم يسمع أحد منهم صراخ الطفل وكان لابد من تدخل الحاضرين طالبين من الأطباء ان يسمعوا صوت الالم الذي شق سكون الليل، حينها قال والد الطفل معلقاً يبدو أننا أخطأنا الطريق ولم نصل إلى المستشفى وهو محق في قوله لحظتها.