يجتمع اليوم وزراء الخارجية العرب بعد أربعة أيام من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة الصامدة، وهذا التأخير المقصود من بعض الحكومات العربية هو تواطؤ صريح مع الاحتلال، وإلا فما المانع أن يعقد هذا الاجتماع يوم الأحد؟ لقد أصبح واضحاً لكل ذي عينين أن المراد تصفية القضية، وكنت قد كتبت مقالاً في هذه الصحيفة الغراء قبل عام بعنوان «المجزرة الغزاوية لتصفية القضية» وماأشبه الليلة بالبارحة؛ فقد تحرك دعاة السلام الضائع اليوم كما تحركوا بالأمس ضد مشروع المقاومة في غزة. كما تحركوا ضد نفس المشروع في لبنان في حرب تموز، ولكن الله تعالى أفشل مساعيهم، واليوم ماكانت إسرائيل لتجرؤ على مثل هذه المغامرة لو لم تجد الضوء الأخضر من بعض الأنظمة التي سعت بكل قوة لإفشال الحوار الفلسطيني حين حاولت فرض وجهة نظر أحد الأطراف على الآخر، وهذه القوى لاتزال تقر على أنها وصية على القضية، وأنها ولي أمر المسلمين، ولذا فقد غارت «من الغيرة» من دولة قطر التي نجحت في جمع الفرقاء اللبنانين ونجحت في التوفيق بينهم، وهذا الشعور هو الذي جعل وزير خارجيتها يذهب إلى اسطنبول ليطلب تدخلها ليس لإنهاء القصف الإسرائيلي، وإنما لإقناع المقاومين بالتسليم والقبول بالهدنة مقابل فتح المعابر والشروط الأربعة التي اقترحها المبعوث لم يكن أحدها مسألة المقاومة؛ لأن المطلوب هو إسقاط هذا الخيار نهائياً، وهو ماتريده إسرائيل والولاياتالمتحدة الأغرب أن تشترط حكومة هذا الوزير لفتح معبر رفح موافقة السلطة الوطنية الفلسطينية حسب تعبيرها باعتبارها السلطة الشرعية وأيضاً أوروبا؟! إن هذا الوفاء بالعهود والمواثيق لليهود غريب جداً في الوقت الذي لايحترم فيه عهد الله عز وجل الذي يقول :«إنما المؤمنون إخوة» وهاهم الإخوة في غزة يذبحون من الوريد إلى الوريد لا أجد توصيفاً لمثل هذا التصرف سوى الخيانة والخذلان. والمطلوب اليوم من هؤلاء المجتمعين أن يسحبوا أولاً المبادرة العربية المشؤمة، والتي جاء مابعدها نكبة حقيقية على الفلسطينيين فمنذ أطلقت عام 2002م وإسرائيل تعربد وتجتاح وتقتل والعرب لايزالون ينتظرون القبول والرضا، لقد تحركت الشعوب الإسلامية والعربية لإدانة هذا الهجوم الوحشي ولاتزال تتحرك، ولكن يجب أن يستمر هذا التحرك مااستمر العدوان على غزة وإلا أصبح هذا التحرك زوبعة في فنجان أو فقاعة صابون. إن إسرائيل والولاياتالمتحدة تعودتا من العرب أن يخرجوا في مظاهرة ويحرقوا العلمين الأمريكي والإسرائيلي، ثم تنتهي المسألة عند هذا الحد. إن هذا التحرك الجماهيري المثلج للصدور يجب أن يتصاعد ويتحول إلى حالة يومية مستمرة، وعلينا كمسلمين أن نقدم الدعم بالمال والدم لإخواننا في غزة، ويجب أن لا نغفل عن الدعاء المستمر لهم، فهو أحد أقوى الأسلحة في مواجهة العدو. وقد أحسن أئمة المساجد الذين جعلوا القنوت في كل الفروض دعاء لإخوانهم المجاهدين. كنا نعتقد أن الولاياتالمتحدة وحدها هي التي تحمي إسرائيل، ولكن الأحداث الأخيرة طوال الأعوام القليلة الماضية أكدت لنا أن الحامي الحقيقي لهذا الكيان هم بعض الحكام العرب في دول الطوق. وقد سخر أحدهم من دعوة الرئيس علي عبدالله صالح حين طالب بفتح الحدود للجهاد. وهي دعوة لو استجاب لها هؤلاء لكان الوضع قد تغير تغيراً كاملاً. في ظل هذه المأساة لم يعد الاعتدال مطلوباً، نحن بحاجة ماسة إلى التطرف اليوم لمواجهة التطرف الإسرائيلي، نحن بحاجة إلى الإرهاب لمواجهة الإرهاب الإسرائيلي، نحن بحاجة إلى الجنون لمواجهة الجنون الإسرائيلي، فكل ماسبق حق مشاع لكل خلق وليس لليهود وحدهم. أخشى أن يأتي اليوم الذي نعتذر لابن لادن والظواهري لأننا لم نفهم المسألة كما فهموها. وأعتقد أنه بعد هذه المواقف المخزية من بعض العرب سوف تجد طروحات وأفكار بن لادن قبولاً لدى معظم الشباب فإنه لم يصنع التطرف سوى الخذلان والجبناء، وإلا فما ينتظر هؤلاء المتخاذلون ؟ وماهو السقف المطلوب للضحايا الفلسطينية حتى يتحركوا ؟ إن لم يكونوا شركاء في صناعة هذه المأساة ؟ ولكن لأهل غزة رب سينصرهم، ولا نامت أعين الجبناء..والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.