مجدداً تجتر الساحة الشعبية اليمنية نفس الأخطاء، وتنزلق بعض قواها الوطنية من أرضية الموقف التضامني المعبر عن روح الانتماء للأمة، إلى الموضع الذي تجير فيه موقفها لطرف بعينه، كما لو أنها تتعاطى السياسة بلغة العصبية القبلية، من غير إدراك لخطورة عدم التمييز بين التضامن مع غزة وبين التضامن مع «حماس». ففي الوقت الذي يجمع المحللون السياسيون على أن الخصومة داخل البيت الفلسطيني أحد أهم أسباب العدوان الصهيوني على غزة في هذا التوقيت، وأن توازنات قوى المواجهة كانت ستختلف لو كانت الفصائل الفلسطينية على وفاق مع بعضها، فإننا نجد بين القوى السياسية اليمنية من يقدم للكيان الصهيوني خدمة مجانية على طبق من ذهب بتكريس انقسام البيت الفلسطيني، من خلال إصراره على الشذوذ عن الموقف الشعبي اليمني العام، وخروجه بمسيرة منفصلة خاصة بمنظمة «حماس». كم بدا الأمر مؤسفاً أن تشهد العاصمة صنعاء بعد صلاة الجمعة مهرجانين تضامنيين مع غزة لا تفصل بينهما سوى مسافة كيلومتر واحد، إذ الأول في ميدان السبعين، دعا إليه المؤتمر الشعبي العام «الحاكم» فرد عليه حزب الإصلاح بدعوة قواعده لمهرجان مماثل لنفس السبب، وفي نفس التوقيت بالضبط، ولكن في ساحة التحرير في رسالة صريحة لإسرائيل نؤكد فيها أن عليها أن لا تقلق من أية احتمالات للمصالحة الفلسطينية لأننا نتكفل الأمر بالنيابة، وسنشتتهم حتى داخل أوطاننا وباسم نصرة أبناء غزة ، رغم أن الظرف يعد الفرصة الذهبية لإعادة توحيد الصف الفلسطيني، ولم يكن ينقصنا سوى بضع خطوات نخطوها باتجاه ميدان السبعين لنلتحم ببقية جماهير شعبنا التي خرجت غاضبة ليس لأجل «حماس» أو «فتح» بل لأجل أطفال ونساء وشباب غزة الذين يبادون في أبشع هولوكوست صهيوني يشهده تاريخنا الحديث. ألم يكن الأجدى بالإخوة «الإسلاميين» في اليمن فرض وحدة الصف الفلسطيني داخل صنعاء قبل دعوتهم إلى ذلك داخل فلسطين !؟ فإذا كنا عاجزين عن جمعهم في مسيرة واحدة فأي رهان بليد هذا الذي نردده أمام الإعلام بأننا حريصون على وحدة شعب فلسطين !!؟ اليوم هناك آلاف «الكشايد» التي تفرش أمام أبواب المساجد اليمنية على مستوى القرى تجمع التبرعات المالية باسم «غزة» وهناك آلاف المعلمين يجمعون التبرعات داخل الفصول باسم «غزة» وهناك مئات النساء يطرقن أبواب بيوتنا في قلب العاصمة ويجمعن من نسائنا الأموال والمصوغات الذهبية باسم «غزة».. وليس هناك من يصارحنا بالحقيقة، ويخبرنا لماذا اطلقت أبواب الفوضى، وأصر البعض على رفض تقديم التبرعات لرقم الحساب البنكي المعلن !؟ أعتقد أن الجهات الرسمية معنية بمنع استغلال الدماء الفلسطينية للمزايدات، والتجارة، ولتكريس الشتات الوطني الفلسطيني.. ومعنية أيضاً بالتعامل مع الفصائل الفلسطينية طبقاً لقواعد رسمية لكي لا تتحول صنعاء إلى مقر لدويلات فلسطينية، كل طرف منها يفتح مكاتبه ويتصرف كدولة مستقلة دون حسيب أو رقيب.. فلتكن اليمن مع فلسطين، وليس مع حزب بعينه،ورفض كل من يضع نفسه فوق فلسطين