كنا إلى وقت قريب نعتقد أننا أنظف الناس في الدنيا، انطلاقاً من الحديث الشريف: «النظافة من الإيمان» وهو الإرث الذي يبلغ عمره أربعة عشر قرناً وثلث القرن، ذلك لأننا نتمسك بالفروض الخمسة للصلوات التي تتطلب طهارة ووضوءاً.. وإلى ما هنالك.. حتى ولو كان «بالتيمم» عند انعدام الماء!. وكنا ومن هذا الإرث نباهي العالم، حين كان الأوروبي يعيش في الصحارى، يرعى الخنازير والحيوانات، و«يقضي حاجته في الخلاء» لأنه كان يعتقد أن بناء «حمام» داخل المنزل، إنما هو مجلبة للخبث والأمراض؛ ولذلك لم يستحسن ذلك، وانفرد به العربي منذ انبلاج فجر الإسلام وازداد تطوراً في الأندلس التي كانت الدولة الإسلامية الفريدة في نظم الري، والحمامات والنظافة.. إلخ!. ولذلك عند تصدّع أركان الدولة الإسلامية في الأندلس، وسقوط آخر إمارة اسلامية فيها هي «غرناطة» عام1492م؛ كان المسيحيون يحرقون ويقتلون السكان المسلمين، حتى من أبناء جلدتهم الذين دخلوا الإسلام طواعية وحباً له وإيماناً به. والسبب يعود إلى أنه كان في كل منزل أندلسي حمام أو أكثر، وهذا يعني النظافة والاغتسال وأداء الفرائض في مواعيدها، وهكذا تم الانتقال من أهل النظافة والإيمان، وهو سلوك عكس همجية ووحشية الأوروبي في ذلك الزمان، ولكن انقلبت الآية. ويختلف الأمر اليوم، فالأوروبي صار يباهي بالنظافة في كل صورها؛ في المنزل والمدرسة والحديقة والحي، والشارع ومقر العمل.. إلخ.. لأن ذلك يعكس إحساسه بالجريمة سالفة الذكر، ولمعرفته بأهمية ذلك السلوك الإسلامي الذي رأى فيه التطور والرقي، واتبع نفس السلوك، بعد أن درس واقع حياة العرب ونظافتهم من واقع كتابهم «القرآن الكريم» وسنة نبيهم «صلى الله عليه وسلم» وحضارة الإسلام التي لاتزال في الصدارة إلى اليوم. كل ذلك ذكّرني بكتابة هذه الكلمات السريعة عندما رأيت وفد الاتحاد الأوروبي الزائر لبلادنا واللقاء بنا في اللجنة الإشرافية للقيد والتسجيل للناخبين في محافظة عدن قبل أيام، حيث كان موقفاً قد حدث وأثار انتباه الجميع، وهو ما ذكّرني بالماضي، والمقارنة بينه وبين الحاضر من كافة النواحي «نحن وهم والعكس»!. واحد من البعثة الأوروبية الزائرة لمقر اللجنة العليا للانتخابات - فرع عدن - كان الشاهد على النظافة والكياسة ويا ليتنا كنا مثله؛ لكن الأمنيات لا تحسم السلوك ولا تلغي العادات، خاصة السيئة.. وهذا ليس تهكماً في حقنا بل لإبراز النقد الذي تنبني عليه العظة والتفكر فيما نحن فيه!. هذا الأوروبي الذي كان مصاباً بالانفلونزا والعطس المصحوب بالرذاذ كان يأخد «المحارم» مرة بعد أخرى اتقاء للعطس وحتى لا يصيب به من حوله، لكن الموقف كان محيراً، فالرجل يكمل التنظيف لمنخاره وفمه، ويقوم بوضع المحارم «الكلينكس» في جيب الجاجيت «الكوت» مرة بعد أخرى.. وهنا تكمن النظافة والحضارة، فلم يرمِ بها في الأرض أو فوق الطاولة أو في سلة المهملات كما نفعل نحن «بعضنا وليس كلنا». وهكذا رأينا ما كنا فيه، وكيف أهملناه، لنراه في الأوروبي وهو موقف معكوس ليتنا نحييه ثانية لنكون الأفضل وليس الأفظع. لذلك تكون النظافة عنوان حضارة، ونحن سباقون، لكننا نهملها، وهي المسألة التي ينبغي مراجعتها بصدق وإيمان لا يتزعزع!. والله نسأله الهداية.. آمين!.