مما لا جدال فيه أن أي روائي يتنكّب مشقة السفر عبر التاريخ لابد أن يقع في مصيدة الاشتباك غير الخلاق بين الواقع والخيال، بين الحقيقة الموضوعية ومقتضيات الإبداع، بل مع ذاته الفنية وقناعاته الفكرية. لهذه الأسباب سنجد أن أغلب الأعمال الروائية المترافقة مع التاريخ، وبالمعنى الواسع للكلمة، سنجد أن هذه الأعمال تقع في مخالب الاستعادات الجزئية لحقائق لم تكتمل، كما نجدها في حالة تنازل إجرائي عن بعض مقتضيات الضرورة الفنية تسليماً بمخططات المعلومات ومدارج الرؤية. لعل آخر الروايات الإشكالية في هذا الجانب تتجسد في رواية «شفرة دافنشي» للروائي الأمريكي «دان براون» والتي سارت في تضاريس الاستدعاء المنهجي لتواريخ المسيحية الدينية، من خلال الإمعان في استجلاء رؤى ومذاهب بعض الحركات السرية التي زعم الكاتب انتماء كوكبة من عباقرة أوروبا إليها، وفي مقدمتهم الفنان الفلورنسي الكبير «ليوناردو دافنشي». الرواية تباعدت عن الكتابات المسطورة توثيقاً وتاريخاً للمسيحية، كما عمل مؤلفها على مُناجزة ما عُرف من المسيحية التاريخية والكاثوليكية منها على وجه التحديد، وقدّم عنها معلومات افتراضية أثارت جدلاً واسعاً وتباينات في الرؤى، غير أنها وإلى ذلك أثارت أيضاً خيبة أمل النقاد في المستوى الفني للعمل. حيث إن البحث في المعلومات، واستخدام بعض عناصر الابستمولوجيا والتحليل المختبري لمعرفة كُنه ومقاصد لوحات دافنشي، بالإضافة إلى محاولة سبر أغوار مخطوطات البحر الميت وبرتوكولات زعماء صهيون؛ كل هذه الأُمور أرهقت السرد وأثقلت على الرواية بصفة مؤكدة، فأفقدتها بعضاً من قيمتها الفنية برغم انتشارها الواسع. هذا من أكثر الأمثلة العصرية تعبيراً عن التصادم الإشكالي بين الضرورة الفنية الإبداعية، والمعلومة التاريخية التي تتحول إلى متوالية بحث مضن لا ينتهي. مقطع القول إن إشكالية العلاقة بين السارد والتاريخ لا تقف عند تخوم السرد ومقتضياته، بل هي إشكالية تطال الخطاب الأدبي الفني بأنواعه المختلفة مما تتسع له المرئيات والاجتهادات. هنالك من يُفلح وينجح في الممازجة الإبداعية بين المستويين، وهناك من يخفق فيستبدل الضرورة الفنية بالمعلومة والبرهان. وهنا تنتفي صفة الفن والأدب عن العمل الروائي.