لم يخف السيد (جين بريزي) الرجل الإيطالي الذي عاش سنوات عديدة في اليمن - خبر خلالها أهلها وأعجب بتفردات الحياة فيها وسمو حضارتها التليدة - مخاوفه وقلقه من المخاطر والمحبطات التي تعيق تنشيط وتطوير قطاع السياحة في حضرموت وخصوصاً منها في مدينة المكلا الذي يمثل الزحف العمراني غير المنظم على مواقع الجذب السياحي والاختلال الفظ في نمط وفنون البناء المعماري التقليدي جوانب سلب تؤخر أي جهد تطويري لهذا القطاع الحيوي.. كما أن ثمة محبطات أخرى تهدد واقع وتنمية قطاع السياحة وتكبح جماح أية محاولة للارتقاء به وتسهم في تطوره في مدن حضرموت وخصوصاً منها مدن وادي حضرموت التي يحتل مكون السياحة الثقافية فيها المكانة البارزة بين المكونات والأنماط السياحية الأخرى التي تتمتع بها هذه المدن، حيث تمتاز مدن الوادي بخصوصيات وتفردات ومميزات مبهرة في نمط البناء وفنون العمارة الطينية والتي تعد مصدراً محفزاً وجاذباً سياحياً مهماً ودافعاً مؤثراً للباحثين والمهتمين على سبر أغوار ذلك الإرث الحضاري الشامخ. ربما الأجهزة المختصة بأمر السياحة بحاجة إلى تذكير دائم بأهمية الحفاظ على مكونات وعوامل التحفيز والتنشيط لهذا القطاع الحيوي ومواجهة العثرات والمصاعب التي تحبطه وتحد من تطوره وخاصة في وقف ذلك الزحف العمراني الاسمنتي على مدن الطين في وادي حضرموت والتي تنذر بنكسة مخيفة وداهمة على ذلك الإرث العظيم الماثل شواهده في أحضان وأعماق تلك المدن والبلدات العتيقة. وهو الأمر الذي يتوجب تفعيل دور الأجهزة المحلية والمكاتب التنفيذية في متابعة تنفيذ القرارات والتوجيهات التي اتخذتها السلطة المحلية في حضرموت وخاصة في منع البناء الاسمنتي وأي تشوهات للطابع والنسق العمراني لمدن الطين، ونفض غبار التكاسل عن مراقبة وتنفيذ واحترام هذه القرارات والتوجهات التي اتخذت في أكثر من مناسبة، وهي في مجملها تدعو إلى الحفاظ على خصوصية البناء وفنون العمارة في مدن وادي حضرموت وإكسابها طابع الديمومة والتألق بوصفها واحدة من الشواهد الحية على إمكانية ازدهار وتنامي حركة السياحة الثقافية والأثرية. ثمة هواجس ومخاوف أخرى أفصح عنها السيد (جين) الذي يعمل حالياً خبيراً لدى البنك الدولي في مشروع وبرنامج تطوير مدن الموانئ في لقاءاته ونزولاته الميدانية إلى حضارة حضرموت (المكلا) وخاصة لدى لقائه قيادة السلطة المحلية في حضرموت ومجلسها المحلي والمسئولين في مكاتب السياحة والأشغال العامة والتخطيط الحضري والآثار والمتاحف وهيئتي المساحة والأراضي والتخطيط العمراني والاستثمار والقطاع الخاص ممثلاً في قيادة غرفة تجارة وصناعة حضرموت؛ حيث تم على بساط تلك اللقاءات طرح فكرة إمكانية تنفيذ المنحة اليابانية المقدمة لبلادنا بشأن عمل دراسة لإقامة قرية سياحية متعددة الأغراض على شاطئ مدينة المكلا تتوفر فيها كافة مقومات وعوامل الجذب السياحي من منشآت حديثة ومرافق مختلفة حتى يتسنى بعد ذلك عرضها للاستثمار. كما أن تلك القرية السياحية المتكاملة إن جُسدت واقعاً والتي يحلم ويطمح بإقامتها السيد (جين) تأتي ضمن استراتيجية تطوير مكون السياحة الذي تقوم به إدارة التنمية المحلية، ويتناغم مع تطلعاتها وتوجهاتها في هذا الشأن، وهو الأمر الذي جعل قيادة السلطة المحلية في حضرموت "تضرب على صدرها" مرحبة ومؤكدة رعايتها لكافة الأنشطة الداعمة لقطاع السياحة وتقديم أوجه التسهيلات والمساندة لإنجاز هذه الدراسة الطموحة وتشجيع المستثمرين الجادين للدخول والإقبال على الاستثمار في الجانب السياحي وتمتين قواعده ومكوناته الأساسية ورفد جوانبه المختلفة سواء في مجال تعزيز القدرة الإيوائية للمنشآت السياحية أو في جانب تنشيط مفاصل السياحة الأخرى من تسويق وترويج وتحفيز للمنتج السياحي. جميل أن تفسح إدارة التنمية المحلية الفرصة للخبير السياحي الإيطالي السيد (جين بريزي) بتبليغ وجهات نظره وعرض أفكاره ومشاريعه الطموحة من خلال لقاءاته الأجهزة المختصة والمعنية بأجندة تطوير قطاع السياحة في حضرموت والاستفادة من خبراته المتراكمة والاسترشاد بها وبأي رأي سديد يهدف إلى دعم الجهود المثابرة التي تبذل في الميدان من أجل تنشيط واقع السياحة والحفاظ على مكوناتها الرئيسة في جانب العمارة وفنونها في المدن القديمة وتنظيم أسواقها والقيام بأعمال الصيانة المطلوبة والترميمات للمعالم البارزة والتوظيف الجيد لجوانب السياحة المتعددة بما في ذلك الثقافية والعلاجية والرياضية والترويجية ونحوها. لقد أصبحت السياحة اليوم ركيزة أساسية من ركائز الأنشطة الاقتصادية في أي بلد من بلدان العالم، خاصة أن هذا القطاع يعد مورداً مهماً للدخل القومي، ولهذا فإننا نجد العديد من البلدان يعطي السياحة اهتماماً وجهوداً مضاعفة ويوفر لها الكثير من المقومات ويمنحها وضعاً استثنائياً بوصفها صناعة واعدة ومربحة. وبالرغم من أن القطاع السياحي في بلادنا قد شهد نمواً متزايداً ومتسارعاً على قاعدة تنوع المنتج السياحي وتعدد المناطق السياحية واتساع رقعتها وتوافر مراكز جذب سياحية مميزة، إضافة إلى تنشيط عدد من الجوانب الأخرى في منظومة هذه الصناعة إلا أنه يتوجب إعطاء هذا الجانب المزيد والمزيد من الاهتمام والدعم بما في ذلك تقديم التسهيلات والرعاية المطلوبة لكافة المستثمرين الجادين الذين لديهم رغبة في استثمار أموالهم في هذا القطاع الحيوي وبذلك يسهمون في الارتقاء به وتحسين خدماته ووظائفه المختلفة والمتعددة. فهل تأخذ جهات الاختصاص في سياحة حضرموت نصائح الخبير الإيطالي (جين بريزي) مأخذ الجد، وتعمل بجدية نحو توفير عوامل وجهد مساعد للمحافظة على بهاء وتميز فنون العمارة في حضرموت، وتجنب الكثير من المعوقات والمثبطات في اتجاه تحقيق قدر من النهوض لهذا القطاع الحيوي؟!.