هذه الأيام تزايد الحديث عن العنف الديني عند تلك الدوائر التي تقرن العنف وكل عنف بالإسلام، والمقصود تحديداً العرب والمسلمين. غير أن العرب يحتلون مكانة مركزية في هذا التنظير الأيديولوجي الجديد، فهم «عرّابو» الإسلام الأول، وهم الفاتحون للبلدان والأمصار، وهم الأوائل في نشر الإسلام وتدمير إمبراطوريتي كسرى وقيصر، وهم الذين مازالوا يتأبون على الاندماج طوعاً أو قسراً مع النموذج الغربي، بل إن عرب المهاجر الأوروبية الأمريكية أكثر التصاقاً بثقافتهم الخاصة، الأمر الذي يثير دهشة واستياء البعض ممن لم يقرأوا التاريخ بإمعان، ولم يفهموا طبيعة الثقافة التي خلقت هذه الهوية العربية الإسلامية، ولم يقرأوا حتى ما كتبه المنصفون من قامات الاستشراق أمثال «جوستاف لوبون» و «ماسينيون»، والشاهد أن جوستاف لوبون عالم التاريخ والديانات والسيكولوجيا كشف بربرية الكاثوليكية السياسية في تعاملها مع عرب الأندلس بعد سقوط تلك الديار بيد الفرنجة، مشيراً إلى الوحشية التي مارسها الإسبان الكاثوليك، وكيف أنها تجاوزت كل ماعرف قبل ذلك من وحشية على وجه الأرض، فقد تعمّدوا قتل ثلاثة ملايين من السكان غالبيتهم من العرب المسلمين، ومعهم أعداد غفيرة من اليهود والبروتستانت. والمعلوم تاريخياً أن القائد العربي الأمازيغي «طارق بن زياد» وجنده كانوا على العكس من ذلك تماماً، فما إن وصل طارق وجيشه إلى شبه الجزيرة الايبيرية ساروا على النهج العُمري، المسطور في«العهدة العُمرية» ، وأنهم وعلى مدى خمسة قرون من الازدهار الحضاري أشركوا الجميع في ملحمة العمل والإنتاج والابتكار، وإعادة إنتاج الحياتين الروحية والمادية، حتى إن النصارى واليهود بالأندلس كانوا من النخبة المؤتمنة على شؤون الدولة وأموالها واستراتيجياتها. والشاهد الثاني هو ما كان من أمر صلاح الدين الأيوبى الذي أبى أن ينتقم من قادة وجند الحملات الصليبية، بل عامل المُستلسمين منهم معاملة إنسانية شملتهم بالرعاية إن بقوا، وبتسهيل رحيلهم إن أردوا المغادرة إلى ديارهم. بعد كل هذه الشواهد يحاول التنظير الأيديولوجي اليميني تعميم «الاسلاموفوبيا« أو «الخوف المرضي من الإسلام »، وليتهم يقدمون الدليل من التاريخ، بل إن تواريخهم المسطورة تتعمّد إسقاط المرحلة الإسلامية من تواريخ أوروبا والعالم برمته، في تصرف يجافي الحقيقة.