في السفر يشعر المرء أنه ينسلخ من الرتابة ويلبس رداءً جديداً اسمه "عالم جديد" في البداية وبعد انتصار مؤزر ب"الفيزا" إلى إيطاليا كان موظف الطيران بخيلاً جداً كما لو كان هو الذي سيدفع بطاقة الطائرة من جيبه؛ بدأ يظهر شيئاً من التثاقل؛ ينظر في الجهاز ثم يذهب ويجيء من المكتب، يشغل مسافراً ثم يعود إليّ ليسأل من جديد: Sana,a - Rome؟!. وأقول: نعم. فيقول: أيواه، Sana,a - Rome. فأقول بداية انبثاق غضب: yes, Sana,a - Rome. وبعد مرات قال: مليان!!. ورددت بلهجة لا تخلو من شماتة: It is full كمبليت. يا أخي، لكن شوف المدير. قلت بيني وبين نفسي: وهل يملك المدير مقاعد في جيبه؛ إذا كانت الطيارة full كما قال؟!!. انصرف الأخ لبعض شأنه، وعلى وجه الدقة عزم صديقه على شاي في البوفيه المجاور للمبنى، قلت أجرّب الذي حلَّ بدلاً عنه: ممكن أحجز إلى روما، على أقرب رحلة؟. معك فيزا؟. تفضل ص 15. كم مقعد؟. واحد. الرحلة واحدة، منتصف ليلة غدٍ؛ حجزت لك "ok" ادفع بالصندوق، ورحلة سعيدة. كان عجبي أن الأمر يتكرر في كثير من سفريات رحلتها، موظف يقول: الطائرة full، وآخر يقول: كم مقعد؟!. في قلب روما قضيت معظم الوقت، وفي رحلة سياحية إلى الفاتيكان «قبلة النصرانية» أمضيت زمناً أتاح لي التعرف على فن الرسم في عصور سابقة وأبرز أعمال الرسامين العالميين «ماتيس»، «ليوناردو دافنشي»، وآخرين. وفي أحد محلات «باكوربان» أهدتني البائعة الجميلة، التي هربت من لجنة لتغيظ بنات الدنيا، دعوة حفلة عرض للجمال بعد شرائي قارورة عطر، غير أن أخاً «في الله» مغربي تعرفت عليه في المحل قال: إن هذا العرض قد لا يناسبك؛ لأنه عرض للمرأة دون ملابس، وعرض عليّ عرضاً سخياً أن يبدلني قارورة عطر أخرى مقابل أن أمنحه البطاقة. قلت له بسخاء: لا حاجة لي بالبطاقة ولا بالعطر، فدعاني إلى جلسة تعارف، انضم إليها أخ في الله صومالي هارب من محمد سياد بري، وكانت جلسة ماتعة في مقهى أنيق مجاور، تكلم الهارب عن فنون طغيان محمد سياد بري، وتكلم الآخر عن فنون طغيان آخر وتكلمت أنا عن رأي الجاحظ في محمد بن عبدالملك الزيات، وزير أكثر من خليفة عباسي، فقد كان هذا الوزير يمد الجاحظ بالمال، وكان له اتجاهات في تعذيب المعارضين؛ بل يعرف أهل التاريخ كيف كان يتفنن ويتأنق في التنكيل بهم.. وغداً نكمل.