صلف.. غطرسة،. شهوة الطغيان، رغبة جامحة في الهيمنة وإذلال الآخر، قبح لا مثيل له في الممارسات، تهور وجنون في كل فعل وردة فعل تجاه القيم السامية، والأفعال المستهدفة بناء الذات والتحرر من التبعية..مناصرة وقحة وإجرامية لكل فعل لا إنساني، وإرادة عدوانية، وممارسة عنصرية.. وغير ذلك من السمات والخصائص المتصلة بسلوك الإدارات الأمريكية خاصة والصهيونية العالمية عامة، والمؤسسات والمنظمات الدائرة في فلكها، والمسماة ظلماً وعدواناً، دولية، مدنية، حقوقية.. ولسنا بحاجة إلى سوق الأدلة والشواهد، فهي ماثلة للعيان وقائمة على بقاع جغرافية، وسكانية عديدة في العالم، والحاجة الحقيقية أن يثبت الآخر الذي يمتلك رأياً مغايراً، ونقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. في هذا السياق الموصوف آنفاً، تخطو الصهيو أمريكية خطوة أخرى في إثبات عدوانيتها، وحقدها على الأمة العربية والإسلامية، بإصدار قرار باعتقال الرئيس السوداني البشير، وهي لعمرى خطوة لا تنم عن حقد تلك المؤسسات الصهيو - أمريكية ودوائرها المختلفة وحسب، بل تدل على ضعف بين، وخوار واضح في النظام العربي والإسلامي الذي وصل في مداه إلى مستوى عدم القدرة على الدفاع عن النفس، وحماية الكراسي والعروش التي يقف عليها القادة. إن أركان هذا النظام يتوهمون أنهم سيكونون في مأمن من هذا المصير، ويأتي هذا الاحساس غير الصادق من قناعة زائفة ان الاستهداف محصور على القادة الذين يمتلكون رؤية ولديهم قدر من الانتماء والإحساس بالمسئولية.. إن مثل هذا الاعتقاد، جعلهم يتعاونون في النيل من أولئك القادة وأنظمتهم، ويسهمون في تدمير مواطن القوة والاقتدار في الأمة، كما فعل مع عراق العروبة والإسلام، وكما فعل ويفعل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وكما فعل وسيفعل مع محنة السودان الشقيق، وكما فعل وسيفعل بالموارد والخيرات العربية والإسلامية، بذرائع أوهن من بيوت العنكبوت، هم بممارساتهم أبعد ما يكونون عن تلك الشعارات الذرائعية، بل إن بينهم وبينها بعد المشرقين وبئس القرين، فهم يتحدثون عن الحرية وسجونهم غاصة بالمعتقلين، والساحات المدنية محاطة بالعيون والعسس، واللاءات المعلنة وغير المعلنة، ويتحدثون عن حقوق الإنسان، والإنسان في أقطار الأمة ممتهن ومستلب في حقوقه وحقه في الاختيار والقرار الذي يتوافق وقناعاته، فما تزال علامات الاستفهام مرفوعة، وموضوعة، وملصقة بكل من يمتلك قناعة تخالف الحاكم، وتختلف مع أركان نظامه، يتحدثون عن أشياء كثيره ويتشدقون بالعناوين القيمية، والرايات الوطنية، وهم قد سلموا كل ذلك إلى أعدائهم وساروا من خلفهم اقزاماً يسبحون بحمدهم، مؤكدين التزامهم القطعي والحاسم بقراراته، بل بتوجيهاته، معذرة بل بأوامره ونواهيه.. وأنهم «يسيرون على العجين ولن يلخبطوه» وأن كل رغبة تراودهم في أحلامهم ويقظتهم هي أمر واجب التنفيذ حتى لو كانت الرغبة تستهدف مقدساً أو شيئاً سامياً في حاضر الأمة وماضيها، في رموزها في عماراتها، وآثارها، في شجرها وحجرها، بل في الأجنة الذين يسكنون بطون أمهاتهم، وتتوقع أحلام أعدائهم أنهم قد يحملون إرادة مغايرة وقناعة جهادية لاسترداد حق الأمة وقرارها وتاريخها،وهذا ما تفسره المجازر التي ارتكبت في حق أطفال العراق خلال ثلاث عشرة سنة قبل الاحتلال وسنوات الاحتلال البغيض، وهي ذات المجازر التي ارتكبت وترتكب في حق أطفال غزة خاصة وفلسطين عامة وهي كذلك في أفغانستان، وفي لبنان، وهي كذلك في السودان. المؤسف أن كل ما سقناه يعلمه الحكام مجازاً ولكنهم يتناسون أن الذاكرة الجماهيرية ليست قصيرة، كما أنها ليست ضيقة، أو مغلقة، بل ترصد وتحلل وتخزن. إن الموقف الصغير، والمهان، والخانع، تجاه ما يعتمل في السودان وما يدبر لمستقبله، فهم قد صمتوا طويلاً، بل وسعوا إلى إقناع الرئيس السوداني وأركان النظام في السودان الشقيق للقبول والعمل على استيعاب كل أوامر ونواهي الحاكم بأمره في واشنطن، والاقلاع والتوبة عن كل معصية ارتكبت واغضبت هذا الحاكم الذي لايجب بأي حال من الأحوال ان يعصى، وفي ذلك خير الرئيس السوداني ونظامه وعليه ان يعتبر من دروس سابقة، وحين لم يأت الرد متساوقاً مع هذه النصائح، بل التحذيرات وبلغة أدق التهديدات، عاد كل إلى حجره، يرتقب ويراقب، يطلب السلامة لنفسه، ويردد في حزنه على ممارساته، ولكنهم للأسف، لا يمتلكون الجرأة على التعبير عن ذلك. والسؤال المحوري، لماذا هذا الصمت ؟ ولماذا هذا الخنوع ولماذا لم يذهبوا أبعد من طلب التأجيل في تنفيذ القرار ؟ ألا يملكون الجرأة للقول: إن للسودان دستوره، ومرجعيته التي تضبط النظام وتحدد المسئوليات ولا تمنح لغير الشعب في السودان حق العزل والمحاكمة، وتغيير الرئيس والنظام، وكل ماهو سلبي ويضر بالوطن وسيادته واستقلاله، ومن ثم كيف يقبلون أن يحاكموا في محكمة تسمى ظلماً دولية وهي أمريكية ويسكتون عن استثناء ليس فقط القادة الصهاينة في واشنطن وتل أبيب من هذه المحاكمات، بل استثناء جنودهم، كما فعلت الإدارة الأمريكية حين سنت قوانين تحمي جنودها الذين أجرموا وبغوا وطغوا في العراق، ألم يسألوا أنفسهم أنهم لا وزن لهم في موازين الصلف العالمي، وان هذا الوزن لا يساوي من حيث التراتب جندياً في الجيوش الصهيو - أمريكية ؟ إن صدور قرار آثم بحق الرئيس السوداني الذي تجرأ وقال: لا لقوات الطغيان الدولي، وقال: نعم للإرادة المستقلة، ونعم للمقاومة والإرادة الحرة، وحق كل من يغتصب حقه وأرضه من السلاح والدفاع عن نفسه.. السودان الذي أعلنت بعض حركات التمرد فيه تعاونها واتصالها الوثيق بالكيان الصهيوني الذي لم يكن ولن يكون مناصراً للحرية وحركات التحرر، يدافع عن هويته وخياراته. وإذا كان دعاة الحريات، وحقوق الإنسان - زوراً وبهتاناً- يشددون على حق الأفراد والمجتمعات في اختيار ما يرونه مناسباً لهم في الممارسة الشخصية والمجتمعية وفي شكل النظام السياسي وطبيعته وحق التغيير للشعوب وبالحوار والوسائل السلمية يعنون ما يقولون، فلماذا يناصرون التمرد في السودان، ولماذا يتدخلون في نصب أنفسهم وكلاء على الشعب في السودان وهو لايزال حياً ويمتلك القدرة على التغيير، وإن لم يكن كذلك فهذا شأنه وليس من حق أحد أن ينوب عنه. ياحكام العرب: أفيقوا من سباتكم وانتفضوا ولو لمرة واحدة، وانتصروا لأنفسكم في غزةوالعراق والسودان، واعملوا وترجموا ذلك بأفعال قوية على الأرض، قبل أن يأتي دوركم وحينها لن ينفعكم تعاونكم مع عدو يمتلك استراتيجية اقتلاع الأمة وطمس هويتها ، وأنتم مع كل تعاونكم جزء من تلك الاستراتيجية. واعلموا جيداً، أن القول الشائع أكلت يوم أكل الثور الأبيض، يصدق عليكم، والدروس كثيرة والعبر والعظات واجبة الاستخلاص والرشد مطلوب في مواجهة التحديات، فهل فيكم من يعوّل عليه أن يرشد ، أو نقول لكم: أليس فيكم رجل رشيد ؟ والله من وراء القصد.