هاهو ال «8» من مارس؛ اليوم العالمي للمرأة يدنو من أيامنا الربيعية، إنه يوم تضامن النساء مع قضاياهن، ففي القرنين الماضيين كان الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم، وإن تبدلت المعاناة عن اليوم؛ ولكنه كان حالاً من الاسترقاق لقوة وعمل النساء كما هو الحال مع الرجال حين كانت بشائر عصر النهضة الصناعية الأوروبية وانتقال المجتمع الأوروبي من مجتمع زراعي إلى مجتمع رأسمالي صناعي. اتجهت عقول المفكرين والقادة السياسيين والعالميين إلى ضرورة مقاومة ذلك الاستشراء الرأسمالي سواء في إطار الشعوب الأوروبية أو احتلاله للعديد من دول العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وما نجم عنه من بخس لحقوق الإنسان وجعله رديفاً للآلات، يعيش وينام في وضع مزرٍ قريباً من تلك المصانع التي مهدت لعهد الرأسمالية بتحالف البرجوازية والإقطاع. ومع إرسال الرجال إلى المستعمرات دخلت النساء والأطفال عنابر السكن العفنة «الصفيح» الملاصقة للمصانع حتى لا تتأخر؛ وهي في الأصل تقضي وقتاً طويلاً دون أدنى حقوق لها كعاملة، والحال نفسه مع العمال، حيث عانى الجميع أمراضاً وأوبئة وخاصة السل والطاعون. ومن هنا تلاحقت نضالات الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية القريبة ليكون هناك يوم للعمال ويوم عالمي للمرأة العاملة خاصة أن وجهاً بشعاً للرأسمالية تجاه النساء والأطفال العاملين تمثل بابتخاس قيمة العمل لهن عن الرجل بأن يعلن عن قيمة عمل كل منهما في إعلانات أمام المصانع وما يسمى حينها ب"المانيفكتور". هكذا تلاحقت النضالات والتضحيات وسقط العديد رجالاً ونساءً ضحايا حتى تحققت انتصارات عدة ننعم بها اليوم منها: إجازة شهرية للعمال؛ وإجازة ولادة للنساء، وتحديد ساعات العمل وحقوق وتأمينات نهاية الخدمة ومعاشات العجز الكلي والجزئي وأنواع العمل المسموح بها.. وهي حقوق لم تكن موجودة أو مكتسبة حينها، وكان من يطالب بها مصيره الطرد من العمل والحرمان من أية حقوق والملاحقة الأمنية. وتواصلت نضالات النساء وانتقلن إلى جبهات النضال والمقاومة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ثم الانتقال إلى جبهات النضال والمقاومة للاحتلال ومن أجل طرد الاستعمار الذي جثم على العديد من الشعوب عشرات بل مئات السنين يمتص خيراتها، ويتحكم بجغرافياتها في الجزائر وفيتنام والصين وجنوباليمن والهند لتواصل الشعوب نضالات أكثر ألماً ومرارة، إنها العبودية والتمييز العنصري.. وكانت دول مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا موطناً لهذه الصفات اللا إنسانية، وكان المؤلم أن يمارس تمييز عنصري في البلد الأصل تجاه سكانه الأصليين؛ ومن ذلك جنوب القارة السوداء الأفريقية. نحن النساء اليوم أمام إرث إنساني سياسي نسائي رائع بصرف النظر عن معاناتنا من الحرية السياسية والمشاركة المطلقة، ولكننا نرث ما حققته الحركة النسائية العالمية من حقوق سياسية كانت ممنوعة في أوروبا عن النساء واليوم صارت قوانين وواقعاً ولا نستطيع أن نقلل من الدور الواسع للأوروبيات في التواجد في مواقع القرار. وقد كانت بالأمس القريب في ثمانينيات القرن الماضي تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية المرأة الحديدية التي قادت بريطانيا في عهدها حرب الفوكلاند، وكلود شيسون، رئيسة الوزراء الفرنسية، وشيلد رئيسة وزراء تركيا؛ ذلك البلد الواقع على مفترق المسافة بين أوروبا وآسيا، واليوم هناك ميركل، المستشارة الألمانية، ورئيسة المفوضية الأوروبية ونساء كثر يتبوأن مواقع في منظومة الأممالمتحدة. هذه نماذج حتى لا يستمر البعض في التقليل من شأن النساء، ولا ننسى أن لكل مجتهد نصيباً، وقد خاطبنا الإسلام بهذا المعنى، وبعد أن غاب الإسلام عند البعض ينتقي منه ما يفصّله بحسب مصلحته، وبعد أن غاب عن هؤلاء تحديد سن الزواج والزواج الآمن وحق المرأة في العمل والتجارة، هؤلاء لم يقولوا إن الرسول «صلى الله عليه وسلم» تزوج وهو شاب بالسيدة خديجة رضي الله عنها وهي ثيّب وأكبر منه «كان عمرها آنذاك «45» عاماً» ولم يقولوا: إنها كانت تعمل بالتجارة، وهذه المهنة لها من التواصل بالمتعاملين وأن الرسول «صلى الله عليه وسلم» تزوج بنساء أرامل ومطلقات ومن غير العرب. وأن زواجه بالسيدة عائشة لم يكن محطة يجب أن نتوقف عندها، كما أن هناك جدلاً في حقيقة عمرها.. وهو لم يعرقلها عن ممارسة دورها الديني الذي هو سياسي من حفظها للأحاديث، إلى حديث الإفك، إلى موقعة الجمل بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. إن من يأخذون ما يشاءون من الإسلام أخطر من الذين لا يقرأونه؛ لأنهم ينقلون صورة أحادية وحسب الرغبة والمصلحة، ويغفلون الصورة الحقيقية للإسلام، ويقدمون صورة ناقصة، بل صورةنمطية صورة صنعها الجاهلون بالإسلام وحقيقته.. وأيضاً جاء الغربيون لينقلوا ما قدمه هؤلاء ونحن أمام جبهتين إما أن نقدم صورة حقيقية عن المسلمات وخروجهن إلى معترك الحياة، وإما أن نمحو ما رسمه هؤلاء في مخيلة الآخرين وما يمارسه البعض من صور تحرر لا مسئول ناتج عن الاحتكاك السيئ بقشور الحضارة. إن «8» مارس مسؤولية ليست من قبل النساء بل من قبل الحكومات والتنظيمات السياسية والمدنية ومن الجميع على قاعدة من المحبة والتآخي والعدالة والمساواة لكونها صاحبة القرار.. وكل عام والجميع بخير.