لعل شهر مارس قريب من اهتمامات وتطلعات وقضايا المرأة، باعتبارها محوراً رئيساً في الأسرة، بل صار مارس وهو إله الحرب شهراً اجتماعياً لدينا نحن العرب.. بتلك المناسبة الرائعة التي نشرها الأخوان علي ومصطفى أمين؛ وهما صحفيان مصريان ساعدا على نشر الأجواء القومية العروبية لمصر في الستينيات وأثرها على كل العرب خاصة في فترة نهوض سياسي عربي وابتعاث طلبة عرب إلى مصر، بالإضافة للدور الرئيس لمصر في دعم الحركات التحررية ضد الاستعمار والرجعية ودورها الرائد في الدفاع عن القضية الفلسطينية. كما مهدا الطريق بالاحتفاء والتقدير لدور الأم في عيدها الذي يوافق «12» مارس من كل عام مما يوثق أواصر المحبة والتقدير، ويؤكد الدور العظيم والكبير لها في الحمل والإنجاب والتربية، بل ويجسد هذا الحب بدور كبير للأب في السعي نحو التكريم والتقدير، وكما قال حافظ ابراهيم شاعر النيل «رحمه الله»: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق وخاطب القرآن الكريم الأبناء بأن تكون علاقتهم بأبويهما يسودها الاحترام والتقدير، وألزمهم برعايتهما بقوله تعالى: «ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريماً». وأشار الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد المسلمين وهو يهم بالجهاد في المعركة أن لا يذهب وأمه تحتاجه قائلاً له: «أمك ثم أمك». وتأتي مناسبتنا المعاصرة هذه لتؤكد ما أمرنا به الإسلام تجاه الأم، لذا تحتفي كل البلاد العربية بهذا اليوم، وهو اعتراف وتقدير بدور الأم في ظل ظروف ومتغيرات سريعة وعميقة تشمل حياة الأسرة، والأم عمادها الرئيس الذي أضافت لها ظروف العولمة مسؤوليات ومهاماً تحتم عليها أن تكون أكثر يقظة وحرصاً خاصة أن الأب يقضي وقتاً أطول خارج المنزل. مازالت عطاءات الأم متجددة، ومازال الابن في نظر أمه ذلك الطفل والولد والصبي الشاب، ومازال هو أيضاً ينظر إلى أمه أنها التي تطعمه وتغطيه وتعطيه مصروفه.. وإنها لذكريات عندنا رجالاً ونساء مهما كبرنا وأصبحنا آباء وأمهات وأصبح لدينا أحفاد. والأم في الظروف والأوضاع الصعبة لها دور عظيم ورائد، وفي والأوضاع السياسية تضطلع بمهام مضاعفة، هذه أم غيبها الموت قبل بضعة أسابيع وقد بلغت من العمر عتياً وعاشت «69» عاماً، إنها التي قال عنها الشاعر الفلسطيني الكبير، شاعر المقاومة الفلسطينية الذي مات قبل بضعة أشهر محمود درويش إنها أمه التي خلدها في قصيدة مطلع السبعينيات قائلاً: أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر أمي.. وأرجع أقبل دمع أمي. وليس فقط محمود درويش؛ ولكن الشعب الفلسطيني صار ابناً لهذه الأم، فقد خرج مشيعاً لها مكسوة بالعلم الفلسطيني، فهي أم فلسطينية أنجبت شاعر المقاومة وأحد مناضليها الذي عاد سريعاً لحضن الوطن الفلسطيني وقريباً من أمه السيدة حورية «رحمة الله عليها» وليرحمها الله وكل الأمهات الفلسطينيات اللائي قضين نحبهن وهن يتحملن ذلك القصف على غزة وما زلن يحملن مفتاح البيت رمز العودة وأملاً متجدداً. تحية تقدير لكل أم مقرونة بوصية للأبناء بألا تشغلهم الحياة عن كلمة ودودة، وتحية من أقاصي العالم الذي فرض على الأبناء الاغتراب والابتعاد، ولكنها تحية وطاعة يومية ودائمة من الأبناء في الوطن تجاه من أفنين حياتهن لخدمة الأبناء والأسرة.. من حرقت يديها تحت هجير الشمس ومن لسعت النار دوماً يديها وهي تخبز، ومن تعبت يداها من الغسل والمسح والحمل، وتعبت وهي تذاكر لأبنائها.