من بين ركام الأحداث وعلى مائدة الخلافات النائمة على فراش الحزبية والمراوغات الفاشلة على رصيف التاريخ وعن ألسنة الصامتين ومآقي الحمقى الذين لا يفهمون الوطنية إلا أنها أرض وسماء وأسواق وبشر. عن كل ذلك ومنه تنطلق صرخة الطفولة لتحطّم حاجز الصمت الكسول.. وتهدّم جدار التسويف وتمزّق ملفات أُحرقت أو حال عليها الحول ولم تكمل نصاب التبعية الموصوم بالغباء.. الطفولة التي تضيع معالمها في مجتمعنا كما تضيع كلماتنا في هواء الوجود وينعدم معناها حين لا نعي حروفها ولا نجسد أمام الآخرين معاناة أصحابها وشفافية مسمياتها. الأطفال أيها السادة والسيدات أصبحوا حبراً بلا حروف، اتخذتهم انحرافات البعض سُخرياً لتصنع منهم حجر عثرة أمام آباء وأمهات كل ذنبهم أنهم يسعون بلا توقف خلف عجلة الحياة التي لا ترحم. أطفالنا أصبحوا أمانة في ذمة الشوارع وأولاد الشوارع.. فحين نطالب بنشر الوعي وتفعيل المسئولية الجماعية وإيقاع العقوبات موقعها الصحيح ممن هم في شك من قدرة الجهات المعنية على تحمل مسئوليتها لا نكون مخطئين أبداً، لنصنع بذلك حائلاً دون انتشار الفساد ونكتب به ورقة اعتراف تحمل بصمة الوطنية بأن من أبناء هذا الوطن من يعيش فقط للوطن. وهذا هو النقيض مما حملته المقالة أعلاه حين قصدت بالخلافات تلك التي لا يخلو منها بيت؛ ولكنها في أغلبها تسقط أمام عتبة الضياع لتدفع بالأطفال ضريبة لها وكأن سداد فاتورة تلك الخلافات هم الأطفال والأطفال فقط.. فلماذا نصنع من بيوتنا مراكز انتخابية، ولماذا يجب أن يكون في كل بيت رئيس ومرؤوس؟!..ولماذا يجب أن يكون في كل نقاش عبدٌ وسيد؟!..ولماذا نهدر رؤوس أموالنا الذين هم أطفالنا هكذا هباءً على تراب الخلافات التي تشوبها الأنانية وحب السيطرة وبُخل القيم؟ هذه السطور كتبتها بعد أن التقيت أكثر من طفل، آباؤهم الشوارع وأمهاتهم المقاهي!. أكل برد الشتاء تضاريس وجوههم.. وصبّ حميم الشمس على رؤوسهم لوناً ذهبياً، لكن بلا لمسة جمال تُذكر.. يتسولون.. يمارسون صداقات غير سوية.. في أعينهم ألف سؤال وسؤال. ولا أستطيع أنا ولا أنتم إلا الصمت أمام ذلك الشجن الغريب والمسافات الشاسعة بين أحداقهم وأحداقنا.. إنهم ضحية النزوات التي ترتكبها خيانة الكبار.. بل إنني أعتبر فعلياً أن ضياع الأطفال بسبب خلافات الآباء والأمهات جريمة خيانة عُظمى لا يجب أن يغفرها التاريخ. ولعلي أذكر أولئك الكبار أنهم لن ينالوا بلح الشام ولا عنب اليمن!. وما أقصده بالضبط هو أن تصحيح الخطأ بخطأ أكبر ليس فيه جدوى تذكر.. ولا يحمل أي نوع من التضحية.. ولا نستطيع أن نسميه إلا احتيالاً غير شرعي على فئة من البشر هم أضعف من أن يحتملوا ما نراه وما نسمعه. أرجوكم أيها السادة.. أيتها السيدات.. فكروا ملياً قبل أن تلقوا بأزهاركم في سلة المهملات، فلا يوجد قانون واحد في العالم يحمي عصافيرنا من صقور السماء.