سبق لسان الشارع العربي منابر قمة الدوحة في بلورة ملامح حاله السياسي المضطرب وما آل إليه من إحباط يؤكده واقعه المتردي على خارطة السياسة الدولية، والنظرة الدونية التي يزدري بها المجتمع الدولي حكوماته، ويملي عليها قوانين لعبته الظالمة. ويبدو أن الشارع العربي هذه المرة لم يكن منصفاً إلى حدٍ ما، لأنه شارع عاطفي بإفراط، تقنعه جملة جريئة من لسان زعيم عربي ليغرق مدنه في اليوم الثاني بصور ذلك الزعيم.. أما حين يتبلور توجه جديد نحو آفاق مستقبلية مغايرة للواقع، فلا يجد من يقرأ له اتجاهات الحدث، أو يغرس بذرة أمل ترفعه درجة من حضيض الإحباط الذي يقبع فيه منذ أعوام طويلة. لست بصدد المغامرة برهان على مقررات قمة الدوحة، ولست متفائلاً كثيراً بالواقع الراهن للأمة، إلاّ أنني أيضاً لست متشائماً من مواصلة الزعماء العرب عقد القمم الدورية، والاستثنائية والطارئة، بل إن استمراريتها هو الأمل الوحيد الذي أرجو منه مخرجاً لبعض أزماتنا العربية. فالتغيير العربي المنشود يستحيل أن يأتي من القطيعة، والإبقاء على الخلافات البينية، والخطاب السياسي والإعلامي المأزوم.. فالمياه الراكدة تحتضن يرقات كل داء خبيث، ومع أن تحركها قد لا يغير كثيراً من صفات الماء إلاّ أنه يضعف فرص حياة تلك اليرقات، وتكاثرها.. وهو المعنى ذاته الذي ينبغي النظر من خلاله إلى أهمية عقد القمم العربية. أعتقد أن اليمن كانت السباقة إلى تلك الغاية، إذ تقدمت في مطلع الألفية الثالثة بمشروع الانعقاد السنوي للقمم العربية، وقد أقرته جامعة الدول العربية، كما أن الأخ رئيس الجمهورية كرر في أكثر من خطاب تساؤله: «ما المانع أن نعقد قمة كلما وجدنا ضرورة للالتقاء، والتشاور؟». ولكي نكون منصفين، لابد من الاعتراف بأن هناك حراكاً نوعياً بين الأنظمة العربية شهدته الأشهر الماضية.. ورغم أن هذا الحراك أعاد فرز بعض الظواهر السلبية التي اعتدنا على رؤيتها في جميع القمم العربية السابقة، إلا أنه أيضاً أنتج عدداً من المبادرات الإيجابية لإصلاح خلافات البيت العربي التي تبدو أكثر تعقيداً مما كنا نتصوره، ومحاولة تعزيز التضامن العربي، علاوة على أن الخطاب بدأ يأخذ منحى أكثر صراحة وشفافية. ربما لن يتبدل شيئ على صعيد القضايا الاستراتيجية للأمة، إلاّ أن الإبقاء على باب القمة مغلقاً أمام اللقاءات العربية، من شأنه إبقاء باب الأمل مفتوحاً أيضاً، خاصة أن هناك نسبة من التجديد في الزعماء، وأن دماء شابة أضيفت إلى البيت العربي، وأن خطاباً نوعياً بات حيز التداول، كما أن الحال الذي وصلته الأمة العربية بلغ أسوأ الدرجات، ولم يعد منتظراً إلاّ أن يبدأ بالتحسن. إن تبني القمم العربية لمقررات ومواقف جريئة لم يعد خياراً قابلاً للنقاش، والقبول أو الرفض، بل صار خياراً حتمياً، لأن الشارع العربي نفسه لم يعد يسمح بمزيد من الإذلال، ولأن التمادي الدولي بلغ حداً لا يطاق، وما لم تكن هناك خطوة لفك الخناق عن الأنظمة فإن الكثير منها ستسقط بالاختناق.