أكتب من سرت، المدينة الليبية التي احتضنت القمة محمد صلاح العربية الأخيرة، وهي الأجواء نفسها التي تصاحب كل قمة عربية والفارق يظل فقط في مدى استعدادات هذه الدولة أو تلك لعقد القمة والانتهاء منها من دون شكاوى. أما بالنسبة الى المضمون أي النقلة النوعية التي يمكن لأي قمة عربية أن تحدثها بالنسبة ألى العرب فلا جديد . هل أخطأ الذين توقعوا من القمة العربية مواقف وقرارات أكثر من قدراتها الحقيقية أم أن القمة نفسها أخطأت حين انتهت إلى قرارات مكررة لا تلبي طموحات الشعوب العربية؟ هو السؤال نفسه الذي يدور عادة بعد كل قمة عربية منذ أن تحولت قبل عشر سنوات الى قمم دورية تعقد ب «الدور» في الدول العربية حتى بدا أن دورية القمة صارت عبئاً على الزعماء العرب الذين تصوروا حين اعتمدوا قراراً بعقد القمة سنوياً في احدى الدول العربية أن تحديد موعد ثابت في نهاية الأسبوع الأخير من شهر آذار (مارس) من كل عام لعقد القمة سيحل مشاكل العرب أولاً بأول من دون الانتظار لدعوة القمة الى اجتماع طارئ. هكذا وصل الأمر الى أن مجرد عقد القمة الدورية في موعدها إنجاز عربي يحسب للزعماء العرب وبات المراد من رب العباد أن تمر القمة من دون مشاكل على رغم أن وظيفتها الأساسية تفادي حل المشاكل قبل وقوعها وحلها إذا وقعت فتحولت إلى مشكلة. يجيد العرب التوصل إلى صياغات توافقية لإرضاء كل الأطراف، وعادة ما تبقى الخلافات العربية قبل القمم وبعدها كما هي، لكن الكل يبذل جهوداً حثيثة من أجل التوصل إلى صياغات لا تبدو فيها الخلافات قائمة، ولذلك كثر الحديث في البيانات الختامية في كل قمة عربية بما فيها قمة سرت عن المطالبات والتشديد، والتأكيد على، والتحذير من، إضافة بالطبع إلى عبارات الاستنكار والشجب والإدانة من دون قرار صريح بفعل صريح. وكأن الهدف هو تمرير القمة من دون أن يمسك أحدهم عليها الوقوع في خطأ عدم التطرق إلى هذه القضية أو تلك المشكلة. واللافت أن كل قمة عربية عقدت في السنوات الخمس الأخيرة أطلق عليها قبل أن تعقد صفة «قمة المصالحة» ومع ذلك يبقى الوضع العربي على ما هو عليه. وحتى إذا حدثت مصالحات بين الفرقاء من خلال مصافحات أو حول طاولة طعام تبقى مصالحات شكلية أمام العدسات والمصابيح من دون أن تتحول الى واقع فعلي، لأن المصالح تتعارض والمواقف تتناقض والوضع العربي باعتراف كل الأطراف ضعيف وواهن ولا يقوى على مواجهة العواصف. كان طبيعياً ومتوقعاً أن يأتي سيناريو «قمة سرت» مختلفاً بقدر أو بآخر عن توصيات القمم السابقة لمجرد أن القمة عُقدت في ليبيا، وليس لأن الأوضاع العربية تغيرت، وعلى ذلك فإن الاختلاف كان في الشكل من دون المضمون وستبقى الشعوب العربية أسيرة الوضع العربي الواهن الذي يعتمد على الكلام أكثر من الفعل، وربما حتى الكلام لم يعد مسموعاً أو يطال أطرافاً غير عربية صارت تؤثر في العالم العربي أكثر من قدرة الدول العربية نفسها على التأثير فيه. ليس غريباً ألا تسبق قمة سرت تظاهرات في العواصم العربية تطالب القادة بمواقف معينة، ويبدو أن الشعوب أصابها اليأس وتمكن منها ولم تعد تأمل خيراً بعدماً اقتنعت أن الجسم العربي يحتاج إلى العلاج أولاً كي يستطيع بعدها أن يتخذ أي موقف. وليس غريباً أيضاً ألا تصدر ردود فعل على المستوى الشعبي في أي عاصمة عربية تجاه قرارات القمة وبيانها الختامي، فالإحباط أصبح يسبق القمة ولا يليها والبحث عن القمة المثالية تماماً كالبحث عن «المدينة الفاضلة» التي كان أفلاطون يتحدث عنها. لم يعد الزمن يسمح إلا بعقد القمة ومرورها في سلام من دون أن تحقق أيضاً آمال وطموحات ... الزعماء.