كنت قد أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى الجامعة العربية، وأنها ربما بلغت سن التقاعد، ويبدو أن المشروع الذي قدمه اليمن «الاتحاد العربي» يمثل صيغة جديدة للعمل العربي المشترك، ويتيح قيام رؤية مشتركة لرسم السياسة الخارجية مثلاً، وقد اقترح القذافي أن يكون عمرو موسى «سولانا» العرب ممثلاً للسياسة الخارجية العربية، وهذا ما أشار إليه المشروع اليمني، ولكن المشكلة - كما ذكرنا في المقال السابق - ليست شكل العمل المشترك وإنما في مدى جدية ورغبة القيادات السياسية العربية في هذا العمل، وقد بدا جلياً عدم صدق الرغبة حين لم تتح الفرصة لعرض هذا المشروع أمام القمة الأخيرة رغم أنه قد تمت تزكيته من قبل اتحاد البرلمانات العربية التي أوصت برفعه إلى القمة. هذه القمة الرابعة خلال سنة واحدة وهي الواحدة والعشرون منذ بداية القمم العربية وقد ظهرت كسابقاتها من القمم، حيث تركز الاهتمام بالمصالحات العربية ورغم الجهد الذي بذلته قطر في هذا الشأن، إلا أن تواضع التمثيل المصري للقمة يدل على أن مساعي المصالحات السابقة باءت بالفشل جزئياً.. خاصة في تطبيع العلاقة بين قطر وسوريا من جهة، ومصر من جهة أخرى، إذ إن مستوى التمثيل في هذه القمة هو نفسه الذي كان في قمة دمشق، وإذا كانت المساعي القطرية قد نجحت في كسر الجليد في العلاقة بين السعودية وليبيا وسوريا، وهذا شيء ايجابي إلا أن هذا التقدم ستُظهر ايجابيته الأيام القادمة. في استطلاع للرأي بشأن هذه القمة من حيث التفاؤل والتشاؤم أجرته قناة الجزيرة ظهرت النتيجة الآتية: 27.1% متفائل 72.9% متشائم، ومع ذلك فإن القمم السابقة حققت نسبة 9.99% من التشاؤم، وحتى نكون على جانب من الإنصاف فإن قرار القمة رفض مذكرة التوقيف بحق البشير وهو أول رفض منذ عقود يعتبر قراراً ايجابياً، وسيكون أكثر قوة لو انسحبت الدول العربية الموقعة على اتفاقية روما من هذه الاتفاقية، وآلمني ألا تكون القدس موضوعاً في هذه القمة بالرغم مما تتعرض له اليوم من هدم لمنازل الفلسطينيين وتقويض المسجد الأقصى عبر حفر المزيد من الأنفاق وكأن العرب «مخاصمين» «نتن ياهوه» ولن يتكلموا معه أو مع غيره في هذا الموضوع حتى يرحل، كما أن دعم إعمار غزة لم يظهر بالشكل الكافي في هذه القمة. والمفاجأة ما حصل في القمة حين تكلم رئيس دولة قبل دوره وكأنه لم يكن هناك جدول أعمال وحدث ماحدث من قطع للإرسال وللصوت ثم عودته، وكان ما كان من هدر للوقت في فهم وتفهم ماحدث. لقد كانت تحدث مثل هذه الأشياء بل أكثر ولكن لم يكن الإعلام حاضراً، ففي سنة 1990م في مؤتمر القمة الذي تلا غزو العراق للكويت تعرض أمين عام الجامعة «الشاذلي القليبي» للتهديد بإنهاء حياته واتُهم بالخيانة والعمالة من قبل زعيم عربي. أقول: إن هذه القمة يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة ولكن الفشل المتكرر للقمم السابقة لايترك مساحة كبيرة للتفاؤل، فالمواطن العربي قد خبر هذه القمم في وقت السلم وفي وقت الحرب، ولكي تزول هذه الصورة فإن على هذا النظام أن يتعلم من دول أمريكا اللاتينية التي حضرت قمة مشتركة مع العرب في الدوحة لعل وعسى. أخيراً نقول: إن العمل المشترك يلزمه الشورى والتعاون وتغليب مصلحة هذه الأمة على كل مصلحة خاصة.. فهل تكون قمة الدوحة هي البداية الصحيحة وهل سنرى تطبيقاً لما جاء في البيان الختامي «أفلحوا إن صدقوا».