كتب - إبراهيم بدوي: أربع سنوات مضت، منذ استضافة قطر للقمة العربية على مستوى القادة والزعماء عام 2009 لتعود القمة إلى أحضان الدوحة مرة أخرى نهاية مارس الجاري. وما بين القمتين وقعت أحداث وتطورات فارقة غيرت من الخارطة السياسية للمنطقة وأبرزها اندلاع ثورات الربيع العربي بدءا من تونس ومرورا بمصر وليبيا واليمن ونهاية بسوريا التي لا تزال تناضل من أجل التحرر من نظام الرئيس بشار الأسد. ويبدو العامل المشترك ما بين القمتين مجيئهما في فترات استثنائية تفرض تحديات كبيرة أمام قاطرة العمل العربي المشترك واختبار مدى فاعليته في التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من أن القضية الفلسطنية لم تراوح مكانها في ظل التعنت الإسرائيلى وتراخي المجتمع الدولي حتى أصبحت قضية كل القمم إلا أن قمة الدوحة 2009 أثبتت قدرتها على صعيد آخر بمواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية ورفضها توقيف الرئيس السوداني عمر البشير، الأمر الذي يشجع السوريين على انتظار موقف مماثل من قمة الدوحة 2013 لتقتص لمعاناتهم على مدار عامين كاملين. الدوحة 2009 قمة المصالحات والمفاجآت شهدت قمة الدوحة مارس 2009 موقفا حاسما من القادة العرب فيما يتعلق بقرارهم رفض مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب، وكانت مشاركة الرئيس البشير بالقمة مفاجأة للعالم في ظل مطالبات باعتقاله بمجرد هبوط طائرته على أرض دولة قطر. ونالت قمة الدوحة وقتها بجدارة لقب "قمة المصالحات والمفاجآت"، حيث شهدت عقد المصالحة الشهيرة بين السعودية وليبيا بعد انقطاع دام ست سنوات، والمفاجأة الكبرى بحضور الرئيس السوداني عمر البشير الذي حظي بدعم كبير ضد قرار اعتقاله من قبل الجنائية الدولية. وأعرب "إعلان الدوحة" الذي صدر في ختام القمة، وتلاه الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها عمرو موسى، عن التضامن مع السودان، ورفض قرار المحكمة الجنائية باعتقال الرئيس البشير وقال الإعلان "نؤكد على تضامننا مع السودان ورفضنا لقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بحق فخامة الرئيس عمر حسن البشير، ودعمنا للسودان الشقيق في مواجهة كل ما يستهدف النيل من وحدته وسيادته ووحدة أراضيه". وشدد البيان على "رفض كل الإجراءات التي تهدد جهود السلام التي تبذلها دولة قطر في إطار اللجنة الوزارية العربية الأفريقية وبالتنسيق مع الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي". وكان لتصريحات البشير وقتها صدى واسع حيث كانت مشاركته بمثابة التحدى الأكبر للأنباء المتداولة عن اعتقاله حال تحليقه في الأجواء الدولية وأكد في نهاية القمة عن شكره للدعم العربي. كما برز بهذه القمة غياب الرئيس المصري السابق حسني مبارك نتيجة خلاف بين مصر وقطر وتخفيض مستوى التمثيل المصري بترؤس الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون البرلمانية والقانونية وقتها لوفد القاهرة وعلق معالي الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية على ذلك بأن الخلافات بين قطر ومصر يمكن أن تحل في إطار حوار ودي بين الدولتين، مشددا أن قطر دائما تغلب المصلحة العربية على أية خلافات قائمة مع أي دولة عربية. الدوحة 2013 قمة المواجهة تفرض الأزمة السورية نفسها بقوة على طاولة القادة العرب بقمة الدوحة 2013 خاصة مع تزايد أعداد القتلى والمصابين من أبناء الشعب السوري واستمرار نزيف الدماء. ويتوقع مراقبون أن تخرج قمة الدوحة المقبلة بقرارات أكثر فاعلية ووضوحا فيما يتعلق بدعم المعارضة السورية بكل السبل والطرق الممكنة من أجل إنهاء النزاع الذي دخل عامه الثالث. وأكدت عناصر من المعارضة والجيش السوري الحر على ترقبهم لقرارات قمة الدوحة باعتبارها ملاذهم الأخير في تحقيق القصاص العادل من نظام الرئيس بشار الأسد الذي استخدم كل وسائل القتل والتعذيب تجاه الشعب السوري. وكشفت الأيام القليلة الماضية عن آمال عريضة يضعها السوريون على نتائج القمة والقرارات الصادرة عنها في إشارة إلى تطورات الموقف العربي ضد المجازر التي يرتكبها الجيش النظامي للرئيس بشار الأسد والمستمرة على مدار عامين منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية. وبرز الموقف الإيجابي الذي ربما تأخر كثيرا للجامعة العربية أوائل الشهر الجاري بمواجهة حاسمة مع استبداد النظام السوري والإعلان عن إعطاء مقعد سوريا للمعارضة شرط تشكيلها هيئة تنفيذية مكتملة قادرة على شغل المقعد، واعتبر محللون موقف الجامعة رسالة واضحة لدعم سياسي غير مسبوق لجهود انقاذ الشعب السوري ومواجهة النظام الأسدي الذي يستبيح دم شعبه ويرفض كافة المبادرات العربية الداعية إلى حل الأزمة عبر الحوار والطرق السلمية. كما ترتفع مؤشرات التفاؤل لدى ثوار سوريا في كافة الميادين وساحات المعارك التي يخوضونها ضد الجيش النظامي، بعد موافقة الجامعة العربية في اجتماعها الأخير على المستوى الوزاري بدعم المعارضة السورية بكل السبل وحق كل دولة فى دعم الشعب السوري بالصورة التى تراها مناسبة وما يتضمنه ذلك من الدعم العسكري في ظل رفض النظام لكافة محاولات الجامعة العربية والمجتمع الدولي المطالبة بوقف العنف والبدء في حل سياسي يؤدي إلى حكومة انتقالية لإدارة البلاد. فلسطين..قضية كل القمم اللافت للنظر بين القمتين وربما كل القمم العربية منذ بدايتها في أنشاص - مصر 1946 وضع القضية الفلسطينية كمحور أساسي بأجندة المناقشات باعتبارها قضية العرب الأولى. ويرى مراقبون أن القضية الفلسطينية صارت مزمنة لكل القمم بسبب التعنت الإسرائيلى الدائم وتراخى المجتمع الدولي في فرض قرارات الشرعية الدولية التي ينتهكها باستمرار الجانب الإسرائيلى. وأكد "إعلان الدوحة 2009" على ضرورة تحديد "إطار زمني محدد" لوفاء إسرائيل بالتزاماتها تجاه عملية السلام، وطالب بوقف السياسات الإسرائيلية أحادية الجانب، لكن إسرائيل وكعادتها واصلت تحديها لكل القرارات الدولية ولا تزال تواصل مشروعها الاستيطاني وتتمادى في عمليات تهويد القدس في ظل غياب إرادة عربية موحدة لإيجاد سبل إنهاء هذا النزاع. ورغم ما طالب به إعلان الدوحة من ضرورة تحرك إسرائيل بخطوات واضحة ومحددة لتنفيذ استحقاقات عملية السلام القائمة على المرجعيات الدولية المتمثلة في قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام وكذلك مبادرة السلام العربية، إلا أن هذه المطالبات وغيرها على مدار قمم كثيرة لم تزد تل أبيب إلا مزيدا من الغطرسة والتحدي للمجتمع الدولي في ظل مسانده عمياء من حليفتها الكبرى واشنطن. وما بين القمتين يبدو خيط رفيع من الفوارق فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية حيث طالبت قمة الدوحة 2009 جميع الفصائل الفلسطينية بالتجاوب مع جهود المصالحة بين فتح وحماس، إلا أن المصالحة بدأت بالفعل قبل القمة الحالية وأخذت شوطا كبيرا رغم ما تمر به أحيانا من اضطرابات لا تستفيد منها إلا إسرائيل وبتسويتها يمكن التغلب على الكثير من العقبات وإجبار المجتمع الدولي على الانتقال من هوايته في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي إلى إنهاء الصراع بحل الدولتين.