لم يلتزم محمد القرق في ترجمته للخيّام بالأشطار الأربعة للرباعيات، مُتجاوزاً مقتضيات النص الفارسي من الناحية الموسيقية، حيث عمد إلى تنويع البحور الشعرية. غير أنه وبالرغم من ذلك تمكّن من الحفاظ على شكل وروح الجملة الخيامية . إن تحرير الأبحر والانطلاق نحو أربع أبيات بشطرين لكل بيت جعل المترجم يحلق في سماء البيان والبديع العربيين، فبدأ النص نسيج ذاته المسحوب على شاعريته وقدرته التمثّلية للنص الخيامي حتى إنني أستعير هنا الرباعية التالية من اختيار الدكتور يوسف بكار والتي تدلل على التناغم بين الشعرية العربية المطبوعة في الشاعر، والأصل الفارسي .. يقول القرق : لعفوك رب رفعت اليدين فأنت المغيث وأنت المعين لئن طوحت بي ذنوبي الجسام ومر الزمان وجف المعين وأُججت النار في مهجتي على ما جنيت طوال السنين فلست قنوطاً وكلي رجا إذا جئت في الحشر صفر اليدين بالرغم من عوالم الأسئلة والحيرة التي سادت آداب الخيام ورباعياته إلا أنه كان يسترخي في أحضان الإيمان والتسليم، وهكذا أرى القرق الذي يغيم في فضاء الأسئلة الوجودية الفلسفية القلقة، وذلك بقدر حضوره اليقيني في التسليم الإيماني، ومن يتتبع أدعيته الرمضانية سيرى ذلك البعد اليقيني الإيماني المتصل بالغيب، وبهذا المعنى تصبح الحيرة مدخلاً مؤكداً لليقين. يقول الحلاج: نظري بدء علتي ويح قلبى وما جنى يامجير الظنى علي أعنّي على الضنى السؤال هنا طريق سالك نحو الجواب، فيما يتحول الإيمان إلى مرتبة تتصل بعوالم الأنا ومثابتها .. يقول الحلاج أيضاً: للعلم أهل وللإيمان ترتيب وللعلوم وأهليها تجاريب فالعلم علمان مطبوع ومكتسب والبحر بحران مركوب ومرهوب ولهذا كان ديدن القرق في معرفة الحق مُحايثة لما كان عليه الخيام الذي يقول: اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني، فاغفر لي، فإن معرفتي بك وسيلتي إليك .