الموهبة في الشعر الحديث والقصة القصيرة كالموهبة في مختلف جوانب إعادة الانتاج المادي والروحي . ولتعريف شمولية الموهبة وحضورها النافل في مختلف جوانب الحياة استعير بيان الحلاج في المعرفة .. وهو بيان يشي إلى الموهبة بوصفها أصلاً أصيلاً في المعرفة .. لكنه يرتقي بها الى مستويات أكثر أهمية .. يقول : للعلم أهل وللايمان ترتيب وللعلوم وأهليها تجاريب فالعلم علمان مطبوع ومكتسب والبحر بحران مركوب ومرهوب فالعلم المطبوع بحسب الحلاج هو ذلك الذي يتجاوز المكتوب والمتوارث .. أو مانسميه بلغتنا العصرية الموهبة الموصولة بقدرات خاصة للناس .. يقول آخر: العلم علمان علم يستضاء به وعلم يكشف الحُجُبا الكتابة الشعرية الحديث منها والقديم تتصل بالثقافة العامة والموهبة معاً، فالموهبة دون صقل ودربة لايمكنها ان تفيض بالروائع .. والمعرفة المجردة دون موهبة لايمكنها ان تضع الكاتب عند تخوم الإبداع .. لكن هذه الثنائية التي تبدو تصادمية بالمعنى الاصطلاحي أو الإجرائي يمكنها أن تتصالح على قاعدة التمازج الابداعي الذي ينتج تلك الكيمياء السحرية للمعرفة والإبداع معاً. الشعر والحديث منه تحديداً يعتبر بمثابة مصيدة للمتساهلين الواهمين ممن يعتقدون أن التحرر من أنساق البيان والبديع التاريخي يسمح لهم بقول أي شيء وبأي قدر محدود من طاقة البيان والخيال والمعرفة . لايمكن للموهوب أن يكون مبدعاً خارج الثقافة بمعناها الواسع .. أقصد بالثقافة هنا الحساسية تجاه الواقع والتاريخ معاً، وهذا يرتبط بالقراءة والتعايش المُتفاعل مع الوسط المحيط، ولهذه المسألة خصوصيات وشروط تاريخية، فالشاعر الجاهلي كان يعيش بيئة ثقافية بامتياز .. غير أن ثقافة تلك البيئة كانت شفاهية تعتمد على ذاكرة الحفظ والخيال الجامح والدهرية في التعامل مع أشياء الوجود .. أي أن المبدع العربي في ذلك العهد الذي أسميناه جاهلياً كان مبدعاً رواقياً وجودياً وموصولاً بثقافة البيان اللغوي وتمظهراتها الشفاهية والحكائية .. أما مبدع اليوم فإنه يتأسس في شروط وأحوال مختلفة.