لم تعبث أي جماعة في تاريخ المنطقة العربية كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين. فقد تحولت منذ بداية العقد الماضي إلى أداة وظيفية في مشروع تفكيك الدول العربية الكبرى، حين استُخدم طموحها الجامح إلى السلطة، وانضباطها التنظيمي الصارم، واختراقها المجتمعي العميق، من قبل الولاياتالمتحدة وإسرائيل في العام 2011، تحت لافتة ما عُرف ب "الربيع العربي". الجولات الشهيرة التي قامت بها كوندليزا رايز وزياراتها المتكررة للمنطقة، وحديثها عن "الشرق الأوسط الجديد"، ولقاءاتها مع ما سُمّوا حينها ب "القادة الشباب"، فتحت الباب على مصراعيه لاستخدام الإخوان كوقود لمشروع إعادة هندسة المنطقة. لم يكن صدفة أن تُسخِّر الجماعة منظومتها الإعلامية الضخمة في تلك المرحلة للتحريض على الأنظمة العربية وإثارة الشارع. لكن المحصلة النهائية أثبتت خواء المشروع؛ إذ لم تصل الجماعة إلى حكمٍ مستقر، ولم تسلم الدول من الخراب الذي لحق بها. والنتيجة أن الإخوان تحوّلوا إلى "أرخص مرتزقة" ضد أوطانهم، فخسروا السلطة، وشُرّدوا في المنافي، وتركوا وراءهم دولًا منهكة وصراعات مستمرة. المفارقة اليوم أن الجماعة عادت لتتحدث بلسان "القومية العربية" وتتظاهر بوحدة الصف، لكنها في الحقيقة لا تزال تشكك في كل من يعارضها، وتترقب الفرص للانقضاض مجددًا على مصر والسعودية والإمارات، وكأنها لم تتعلم من دروس الأمس. إن سلوكها السياسي يؤكد أنها ما زالت أسيرة مشروع التحالف مع القوى الدولية المعادية، بما فيها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، إذا ما أُتيح لها ذلك لإعادة استهداف الدول العربية القائدة.
اليمن يقدم أوضح مثال على انتهازية الإخوان وتناقضاتهم. ففي عام 1994 تحالفوا مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح ضد الجنوب، ثم انقلبوا عليه لاحقًا وتحالفوا مع الحزب الاشتراكي الذي كانوا يكفّرونه بالأمس. وعادوا ليتقاربوا مع جماعة الحوثي ويمكّنوها من دخول صنعاء، انتقامًا من صالح. ولم يقف الأمر عند ذلك؛ ففي خضم الفوضى التي صنعوها، جرى تلميع شخصياتهم إعلاميًا، ومنح توكل كرمان جائزة نوبل للسلام عام 2011، ليس لأنها قدّمت للمجتمع ما يستحق التكريم، بل لأنها كانت رأس حربة في التحريض وتأجيج الشارع لخدمة أجندة خارجية أُريد منها إسقاط الدولة وتمزيق النسيج الاجتماعي. وعندما اجتاح الحوثيون اليمن وتدخل التحالف العربي للتصدي لمشروع إيران، وقف الإخوان ضد التحالف وسخّروا إعلامهم للنيل من دولة الإمارات، لا بدوافع وطنية، وإنما خوفًا من خسارة المكاسب التي راكموها بالغدر والاغتيالات طيلة ثلاثة عقود في الجنوب.
في ذكرى تأسيس حزب الإصلاح، الذراع السياسية للإخوان في اليمن، خرج رئيس الحزب محمد اليدومي ليؤكد أن حزبه "لا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين"، رغم أن تصريحات سابقة له ولقيادات أخرى اعترفت صراحة بانتماء الحزب لنهج الإخوان. هذا التناقض الفجّ يعكس عقلية الانتهازية والبراغماتية التي تُدار بها الجماعة.
منصات إعلامهم ك "بلقيس" و"يمن شباب" تُسخَّر اليوم للطعن في القوى الوطنية شمالًا وجنوبًا، والهجوم على المجلس الانتقالي والمقاومة الوطنية، وهما الطرفان اللذان يقفان بوجه الحوثي والإرهاب. وفي الوقت ذاته، تزداد العلاقة بين الإخوان والحوثيين وضوحًا كأحد أذرع المشروع الإيراني الموجه لتمزيق الصف العربي.
جماعة الإخوان المسلمين مشروع عابر للحدود لا يعرف معنى الوطنية أو القومية أو حتى البعد الإسلامي الجامع، هدفها الأوحد هو الوصول إلى السلطة ولو على أنقاض الأوطان. لقد أثبتت الأحداث أن هذه الجماعة ليست سوى أداة في مشروع الفوضى الخلاقة، وآن الأوان للدول التي ما زالت تراهن على هذا التنظيم أن تعيد حساباتها وتقطع الطريق أمامه قبل أن يعيد إنتاج الفوضى من جديد.