لا أحد يعرف بالضبط أعداد الجمعيات والمؤسسات الخيرية العاملة في اليمن، إلا أن هناك إجماعاً على أن هذه الجمعيات تقدم عشرات المليارات سنوياً لمختلف الشرائح المستحقة، ولأغراض متنوعة بعضها يرتبط بتنمية القدرات، والتدريب والتأهيل في الوقت الذي ظل إنفاقها الأعظم على العون الغذائي. ومما هو ملاحظ على العمل الخيري أنه يصب في اتجاه استهلاكي وليس إنتاجياً، أي أنه يكرس الاعتماد على الغير، دون أن يولي مسألة إعادة تأهيل الأسر المحتاجة العناية المطلوبة من أجل تحريرها من الفقر.. فبقاء هذه الأسر تحت رحمة المساعدات الخيرية يعني أن أجيالاً أخرى من الفقراء ستتوالد، حيث إن من المتوقع أن تنمو لدى أفراد الأسرة ثقافة الاعتماد على الذات في ظل وجود مناخ اتكالي وظروف معيشية قاهرة. نعتقد أن الزمن الماضي من عمر المؤسسات الخيرية منحها الكثير من الخبرات، وأن ما تعرضت له بعض الجمعيات من ضرر جراء انقطاع بعض قنوات التمويل الخارجي على خلفية الضوابط الرقابية التي طرأت بسبب الحرب العالمية على الإرهاب، يفرض ضرورات مُلحة على المؤسسات الخيرية للتحول إلى آليات التمويل الذاتي، والاعتماد على النفس من خلال إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تخدم عدة أغراض في آن واحد.. فهي أولاً توفر ريعاً منتظماً ومتنامياً يكفل مزيداً من التوسع بالأنشطة الخيرية، وثانياً تستقطب أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل من أبناء الأسر الفقيرة، وثالثاً تنمي في أوساط الأسر الفقيرة روح حب العمل وثقافة العيش من عرق الجبين، فتقطع بذلك دابر تفريخ الفقر في نفس بيئة المستهدفين. وبالقياس إلى امكانيات المؤسسات الخيرية اليمنية فإن أي تحوّل من هذا القبيل يبدو صعباً، نظراً لكونه يتطلب مالاً فائضاً لا يؤثر على نشاطها الحالي خلال فترة الإنشاء وانتظار الريع المتوقع.. وبالتالي فإن هناك حاجة مُلحة لدخول شركاء جدد، أو إيجاد صيغة تمويلية مساعدة للمؤسسات الخيرية.. وهنا ينبغي إشراك الجانب الحكومي والبنوك العاملة في اليمن، ولكن ليس على أساس الشراكة الكلية وإنما كمانحين يقدمون القروض الميسرة جداً لتمويل المشاريع التنموية الخيرية. في الوقت الحاضر لدينا جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية ومؤسسة الصالح الاجتماعية الخيرية تنفذان بعض المشاريع التنموية الخيرية.. وهناك شريحة واسعة مستفيدة من تلك المشاريع، غير أن حجم هذه المشاريع يناسب امكانياتهما، ولايناسب حجم الاحتياج ومساحة الفقر في اليمن.. وربما هناك مؤسسات أخرى تسير على نفس الطريق، غير أن بقاء العمل الخيري بدون رؤى استراتيجية واضحة تتبناها الدولة بالتعاون مع المؤسسات الخيرية الكبيرة، قد يفقد العمل الخيري جدواه، ويحوله إلى ثقافة لتكريس الفقر، وتفريخ الفقراء. لم يعد مجدياً أن تنفق المليارات على الأكل والشرب والكسوة، لأن البلد بحاجة إلى توجيه تلك الأموال لصناعة أيادٍ منتجة، وأسر تعتمد على ذاتها، وتفكر بمستقبل أبنائها.. ولا تنتظر من يمد لها يده بحفنة أرز أو كيس دقيق..رغم أن الجميع لا يضيع أجره عند الله، لكننا نطمح إلى تنمية قدرات المؤسسات الخيرية من أجل مزيد من العطاء.