ذكريات خالد العسلي محافظة إب» عبارة قرأتها في مكان لا يتوقعه أحد، ولا يخطر على بال شخص غير يمني أن يكتب تلك العبارة وفي ذلك المكان. فقبل عدة أشهر وبالصدفة فتحت التلفزيون على قناة «أبوظبي» وكان يبث في تلك اللحظة مسلسلاً لم أعرف اسمه، ولكن كانت نجمته الفنانة السورية أمل عرفة، وهي تلعب في المسلسل دور فنانة صاعدة مازالت في بداية الطريق، ونصحها المقربون منها أن تسافر إلى مصر وإلى القاهرة تحديداً والتي تمثل عاصمة الفن في المنطقة العربية، وهناك الملحنون والمؤلفون اللامعون والذين يمكن أن يأخذوا بيدها على سلّم المجد والشهرة. وبعد وصولها إلى القاهرة حرصت بداية على زيارة قبر العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وقراءة الفاتحة على روحه.. وفي حين أنا مندمج مع الموسيقى التصويرية الحزينة كانت الكاميرا تقترب شيئاً فشيئاً من القبر في صورة «كلوز» ولمحت بالصدفة عبارة «ذكريات خالد العسلي..» فقلت في نفسي: مش معقول، هذا الاسم أكيد يمني.. ومرة أخرى دققت النظر أكثر فقرأت تحت الاسم «محافظة إب». فقلت: سبحان الله، حتى قبر العندليب الأسمر الراحل عبدالحليم حافظ يحتفظ بذكريات يمني؟!.. وأنا لم أروِ هذه القصة للتشهير أو الإساءة، بل على العكس أنا أحترم فيه هذا العشق لحليم الذي نحبه ونعشق أغانيه.. وإن كان خالد يحبه بجنون كونه عندما زار القاهرة حرص على زيارة قبر حليم وتسجيل ذكرياته فوق قبره!!. ظاهرة ولكن بيت القصيد هو أن الكثيرين منا مولعون بكتابة «ذكريات فلان..» على أي شيء حتى ولو كان ذلك الشيء لا يجوز الكتابة فوقه أو تشويهه.. وعلى سبيل المثال العملات الورقية التي كثير منها تعج بالذكريات، بل في أحايين كثيرة يكتب فوقها الحساب الختامي للمبلغ الذي بحوزته أو الذي أرسله لفلان أو الذي استلمه من فلان. بل إن البعض يكتب فوق الفلوس الأشياء التي يريد شراءها من السوق مثلاً «طماطم سمك كراث بسباس خيار.. إلخ». ولا نعرف هل الكتابة فوق العملات الورقية اليمنية مثل «ذكريات» وغيرها هل هي نوع من عدم الوعي، أو أنها شكل من أشكال الاستهتار؛ كوني أعرف أشخاصاً لا يبالون في التعامل مع العملة اليمنية؛ في حين أنهم عندما يصرفون دولارات أو يورو للسفر إلى الخارج يدققون فيها مليون مرة خوفاً من جرّة قلم صغيرة جداً قد تؤثر على قبول التعامل بها في البلد الذي سيسافرون إليه. ثم إن كتابة «ذكريات فلان..» فوق كراسي باصات الركاب؛ هل هي نوع من حب الشهرة أو شيء من السذاجة أم ماذا؟!. كما أن الأدهى والأمر هو ما يُكتب على أبواب الحمامات وخصوصاً في الجامعات، كلام قلة ذوق وقلة أدب، ويبدأ بعبارة كتبها طالب في أعلى الباب أو على جدار الحمام، ثم تمتلئ صفحة الباب وصفحة الحائط بالتعليقات والردود والرأي والرأي الآخر. ذكريات إلكترونية وإذا كان مجرد كتابة «ذكريات فلان..» من باب حب الشهرة وترك أثر؛ فأنا أقترح على الجهات المعنية والمشرفة على اللوحات الدعائية في شوارع المدن وخصوصاً الرئيسة مثل أمانة العاصمة وعدن وتعز والحديدة وإب والمكلا أن تصمم لوحات دعائية إلكترونية مدفوعة الأجر خاصة فقط بالأفراد لإظهار صورهم مقرونة بكتابة «ذكريات فلان الفلاني» وأن تكون هناك تسعيرة؛ مثلاً نصف دقيقة بخمسمائة ريال، والدقيقة بألف ريال وهكذا. وبهذه الطريقة يتم احتواء هذه الشحنات من حب كتابة الذكريات وإفراغ هذه الطاقات في أماكن مخصصة لذلك، وفي نفس الوقت يكون هناك عائد واستثمار يخصص ريعه في تحسين جماليات مدننا وتحسين خدمات النظافة فيها، والظهور بمظهر جمالي وحضاري وسلوكيات راقية. التلوث البصري وبالمناسبة، فإن التلوث البصري الذي يصيبنا جراء رفع اليافطات الدعائية عند كل جولة سواء لمناسبة ندوة أو افتتاح مطعم أو التنبيه إلى وصول بروفيسور لإجراء عمليات جراحية في هذا المستشفى أو ذاك هو أيضاً ظاهرة ينبغي التوقف أمامها؛ ليس لمنعها ولكن لتنظيمها بحيث لا تظل تلك اليافطات إلى مالا نهاية!!.