التعامل الإنساني وفق قاعدة المصلحة وحدها سلوك جاف ولغة مفرداتها متحجّرة، والمتعاملون وفق هذا النوع مصابون دوماً بآفة القسوة التي تجمّد القلوب وتصلّب المشاعر فتغدو الحياة عندهم لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، لأنها مكبّلة بأغلال المصلحة التي لم تترك مساحة للقيم والمبادئ الأخلاقية التي تربط بين الناس وتعمق أواصر القرابة وتحفظ فرص وصال لتبقى العلاقة بين الناس محروسة بحب الخير للآخرين والإحساس بما يحسون به إن فرحاً وإن حزناً. إن مراعاة المصلحة في العلاقة مع الآخر تكون سليمة إذا ما كانت مرجعيتها الأولى هي التعارف وتكوين علاقات محبة إلى جانب تبادل المنافع الذي يأتي في المقام الثاني لتخفيف العبء في حياة الإنسان بتبادل الخدمات والسعي في تحقيق الكسب والرزق الحلال. والخروج بالمصلحة عن هذا المفهوم يجعلها طوفاناً من الأطماع تفجره الأنانية وحب الذات معناه سير الفرد في ليل مظلم يضرب عليه طوقاً من العزلة تنسحب آثاره على من حوله فيسري فيهم أيضاً هذا المرض إلى أن يصبح الوسط الذي يعيشون فيه وسطاً موبوءاً، وعدم الابتعاد عنه يعني بالضرورة تصديراً للبراجماتية المفرطة التي تشهد اليوم دويّ انهيارها من ناحية الغرب. وللأسف ..فنحن المسلمين نعيش مع بعضنا هذه الدوامة من العلاقات المادية مع اقصاء سافر لكوابح الأطماع والشهوات التي زودنا بها ديننا الإسلامي الحنيف إرساءً لقواعد المجتمع المثالي الذي يبعث الخير للبشرية جمعاء. إننا ندوس بشكل مخجل على مختلف الروابط الأسرية وروابط الجوار والتعارف..كل ذلك من أجل اللحاق بقطار «المصلحة» التي لا تعني شيئاً غير الأنانية والمبالغة في حب الذات. وعلى مستوى أكثر عمومية فإن مصطلح «المصلحة» دخل في الوسط السياسي الرسمي يحمل دلالة حضارية راقية، وذلك حين اكتسب «المصطلح» بُعداً أخلاقياً يقتضي مراعاة ما يصب في الصالح العام لهذا الشعب أو ذاك تمتيناً لعلاقات الإخاء والاحترام المتبادل، والتأمل في هذه الدلالة يوضح لنا ذلك التناقض الكبير بين هذا المفهوم وما يعتمل في الساحة من أحداث ومواقف تعكس تأزماً كبيراً يكثف تلبيد الأجواء بالغيوم. فكل يوم نزداد ثقة بأن هناك جهوداً عربية تسعى للتحلل من كل ما يجمعنا بخلق حالات من العداء والبلبلة التي يتفق الجميع على أنها تعمق الهوة وتضرب «المصالح».. والحق أن المصالح العربية العربية ما كان لها أن تكون عرضة للانهيار والتلاشي لو أنها امتلكت رصيداً معنوياً «روحياً» يدعم بقاءها ،فلا استشعار لروح المسئولية الحضارية والدينية الاجتماعية والاقتصادية إلا بالقدر الذي لا يرفع هامة ولا يحقق غاية. فلغة «المصالح» المعاصرة من حقها أن تموت، لأنها لغة منغلقة تعمل على ضرب كل مفاصل الوحدة بدءاً من الأسرة الصغيرة وانتهاء بالأسرة العربية...ولا عاصم من هذا كله إلا بالرجوع إلى «الروحية» التي توازي المادية وتحفظ الكيان العربي على جميع المستويات.