النغمات الموسيقية السبع « دو - ري - مي - فا - صو - لا - سي» تتصاعد تواتراً من أدنى لأعلى والعكس بالعكس، ولأن النغمات تتدانى أوتتناءى فإن مثابتها المعنوية ترتقي بالتداني والتنائي بوصفهما علواً مؤكداً، فالتداني ارتقاء والتنائي ارتقاء أيضاً، وهذه السمة هي التي تجعل من الجملة الموسيقية نبعاً صافياً لوجدان أصفى. ولأن الخمسة تتموضع عند حرف «صو» فإن مثابة هذا الحرف كمثابة الخمسة. ألا ترى أن السلم الخماسي في الموسيقى من أكثر السلالم الموسيقية تروحناً، لسبب بسيط هو أن الخماسي يعيد إنتاج اللازمة اللحنية تصاعداً وتهابطاً، فيكون التكرار بمثابة الحرز الحريز لما يتفرع عنه، وهكذا سنجد أن مثل هذه الحالة الموسيقية المدورة بالخمسة تتوفر في السلالم الأكثر انتشاراً في العالم، وخاصة إفريقيا بجُملتها، وشرق آسيا، والولايات المتحدة عطفاً على الموسيقى ذات الأصول الافريكانية. وعلى المستوى الهندسي كانت الدوائر ومازالت محور ارتكاز للصروح الباذخة لعمارة النفوس الزكية كالمساجد والكنائس وحتى معابد الأغارقة والبوذيين، والشاهد أن العمارة المترافقة مع الدوائر وأنصاف الدوائر تفسح المجال لتواتر الهيئة وتكرارها مما نراه ماثلاً في الأقواس والقباب والباحات. ومن الميزات الكبيرة لهذه الدوائر وأنصافها وأرباعها أنها تنفسح على فضاءات الفراغ بطريقة جبرية، فيما تسمح بإلغاء الحواجز العارضة، مُعيدة توكيد الموسيقى الخماسية ضمن متوالية للموسيقى البصرية الدائرية التي لا تستنطق الصمت فحسب بل أيضاً الأصوات، ولعل المسارح الموسيقية وصالات العزف، وحتى دور العبادة خير مثال لملاحظة تمام الأصوات وجمالها، فكلما كانت الدوائر وأشباهها سيدة الموقف أصبح لرجع الصدى قيمة أكبر من الموسيقى المسموعة ، وكلما تداعت مساحات الفراغ الدائرية وارتفعت الأسقف إلى الأعلى تشكّل وعاء آخر للجمال الصامت المتواشج مع الجمال الموشّى بالإنشاد والمعزوفات .