الأدنى والأعلى لا يحدهما حد، لأن العلو يفتح الباب لعلو أعلى، والتداني يفتح الباب للتوالي في التداني، وكأن الدنو ليس هبوطاً لأسفل، بل هبوط يتصل بالعلو. قال تعالى «ثم دنا فتدلّى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذَب الفؤاد ما رأى» . الدنو يشابه الصمت قياساً بالصوت، والمعروف أن الصمت أهم من الصوت، ولهذا قال النفّري: “إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، وقال أبو يزيد البسطامي: “من لا يعرف إشاراتنا لا تسعفه عباراتنا”. ومن المؤكد في علم الألسنيات والأصوات أن قيمة الصوت تكمن في مُقدماته ومصائره، فالصمت دلالة الصوت، و«القفلة» في الموسيقى إبحارٌ ماورائيٌّ في ما سُمع من موسيقى، ورجع الصدى النبيل في عمارة القلوب الدائرية رافعة كبيرة لجمال الموسيقى. التداني يعني التقرب.. التداني عكس التنائي. يقول الشاعر: فمهما تدانينا استحال تنائينا ولهذا، حق القول بأن الأدنى والأعلى مُفارقان للأسفل والأرفع؛ فالرفع والخفض صفتا إطلاق تام، فيما الأدنى والأعلى صفتا إطلاق لا يكتمل إلا بجدل الارتقاء للمستويين، فالتداني صعود إلى أسفل، والتنائي والتعالي صعود إلى أعلى. [email protected]