يوم أمس الأول الثلاثاء استقبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي يعد أول زعيم عربي يزور واشنطن في عهد الإدارة الامريكية الجديدة التي أبدت رغبة قوية في حلحلة الأمور على مسار عملية السلام في الشرق الأوسط وأظهرت حرصها على لعب دور فاعل وإيجابي عبر تعيين جورج ميتشل منسقاً لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو المعروف عنه خبرته وتوازنه وعدم انحيازه للجانب الإسرائيلي كما كان يفعل كثير ممن شغلوا هذا الموقع. والمعروف أن العاهل الأردني قد حمل رؤية عربية مشتركة تجاه هذا الملف والمبادرة العربية للسلام، وذلك من خلال ما خرج به اجتماع عدد من وزراء الخارجية العرب في عمّان قبل فترة وجيزة، كما أن الرئيس الامريكي باراك أوباما قد جدّد التمسك بمبدأ حل الدولتين الذي ترفضه حكومة نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي الذي يعبر عنه وزير الخارجية ليبرمان. وإذا كان الرئيس أوباما قد دعا الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى زيارة واشنطن خلال الفترة القليلة المقبلة فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: إلى أي مدى ستكون إدارة أوباما قادرة على تجاوز ليس فقط الجمود والانتكاسة التي حصلت في عهد الرئيس سيىء الصيت جورج دبليو بوش ، وإنما تخطي العقبة التي استعصت على سلفه الديمقراطي بيل كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000م.؟ وقبل تعيينه مبعوثاً للشرق الأوسط بشهور عدة كنت قد قرأت تقريراً عن جورج ميتشل ورؤاه الايجابية ، ومما جاء فيها بخصوص كامب ديفيد الثانية التي اتهم البعض حينها الرئيس الراحل ياسر عرفات والجانب الفلسطيني بأنه سبب فشل مفاوضات كامب ديفيد ، حيث قال ميتشل: «إنه في الحقيقة ليس الجانب الفلسطيني وحده من يتحمل المسئولية بل إننا نحن أيضاً - الامريكان - نتحمل مسئولية فشل تلك المفاوضات». وأشار إلى نقطة هامة جداً وهي أن الجانب الامريكي كراعٍ لمفاوضات بين طرف قوي هو اسرائيل وطرف ضعيف هو الفلسطينيون كان عليه حتى ينجح أن يكون حازماً مع الطرف القوي ويحصل منه على تنازلات وليس فقط أن يفرض التنازلات على الطرف الأضعف. وبالتالي فإن إحياء عملية السلام والتفاؤل بما للديمقراطية ولشخص الرئيس أوباما من رؤية تختلف عن رؤية الإدارة الامريكية الجمهورية «البوشية» لن يتم التعويل عليه بمجرد النوايا الحسنة ودعوة الأطراف المعنية للجلوس جنباً إلى جنب على طاولة التفاوض التي نسجت العنكبوت خيوطها عليها خلال فترة بوش الابن ، وإنما سيكون المحك الحقيقي هو قدرة الإدارة الامريكية على التعاطي بحزم مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة برئاسة نتنياهو. وعلى إدارة أوباما أن تدرك جيداً أن بروز قوى التطرف والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي كان سبب السياسات الحمقاء لإدارة بوش التي أضعفت قوى الاعتدال وقوى السلام، بل وكسرت عظمها ، في حين أن خطاباتها عن قوى الإرهاب والتطرف كان مجرد كلام في الهواء لم يضعف تلك القوى وإنما اكسبها تعاطف الشارع والجماهير. ومثلما أن إدارة بوش دمرت العملية السلمية عندما أسقطت غصن الزيتون «ياسر عرفات» الرجل الذي كان قادراً على صنع سلام الشجعان ، وحاصرته في المقاطعة منهكة بذلك ليس «الخيتار» وإنما منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية التي كانت على الدوام الشريك الحقيقي الذي يمكن التفاوض معه والوصول إلى حل يرضي كافة الأطراف.. فإن على إدارة أوباما أن تعيد الاعتبار لمحمود عباس وحركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية عبر إحياء مفاوضات جادة وحقيقية يفرض فيها راعي السلام القوي - والمفترض أن يكون نزيهاً - على الطرف القوي تقديم التنازلات المطلوبة والمنطقية حتى تكون هناك دولتان وحل دائم وسلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط.