في كل زيارة إلى مدينة صنعاء أحرص على التجوال في أزقة مدينتها القديمة، حيث يغمرني المكان بدفء إنساني حميم.. بصدى تاريخي رائع.. فأسمع بوابات وسور وجدران المدينة تردد تلك الحكمة القديمة الجديدة : «لابد من صنعاء وإن طال السفر». هنا تقلب صفحات تاريخ مدينة لها في الوجدان عشق.. وفي الذاكرة سلة من أشواق وشجن..!! هنا تحدثك كل قطعة من عماراتها بحديث الروح.. والفن.. والأصالة، تبوح لك «قمرياتها» بفرح وغزل ألوان قوس قزح.. وتطبع بواباتها وشرفاتها في أعماقك عقداً رائعاً من النقوش والزخارف. أعترف أن مدينة صنعاء القديمة مدينة غير عادية، رائحة، ولوناً، وعذوبة، وسحراً.. ودهشة.. والتجوال فيها متعة ولذة لا تضاهيها أية متعة ولذة أخرى.. ولذلك كم هام وفتن فيها الأدباء والشعراء والفنانون.. وحاولوا جاهدين أن يعطوها حقها.. ولكن ما تخفيه من جمال أعظم وأكبر. في ركن من أحد أزقتها وقفت بائعة «اللحوح» الطازج الشهي.. فأقف أمامها، وأقرأ في عينيها بيت شعر من غنائية صنعانية رقيقة، وأما ثوبها الفضفاض فقد جمع كل ألوان وأزهار صنعاء القديمة.