يقول المختصون في الدراسات السكانية: إن فضل المجتمع الذي ترتفع فيه معدلات الفئة الشبابية عن سواه، هو أكثر قدرة على التجديد والعطاء والإبداع، لكن ماذا لو أن هذه الأغلبية الشبابية ظلت تخضع لإرادة وقيادة ثلة من الكهلة المخضرمين.؟ اليمن واحدة من البلدان «الشابة» أي ترتفع فيها معدلات فئة الشباب لكن الحياة العامة فيها لاتبدو عليها حيوية الشباب، ذلك لأن الهيئات المختصة بشئون الشباب ترأسها قيادات كهلة. في مثل هذه المؤسسات تموت المواهب والطاقات الإبداعية، لأن العقول صانعة القرار الأول والأخير فيها تعجز عن استيعاب المهارات والعقليات الشبابية التي غالباً ما ترى ما لا تراه غيرها، لأنها مواكبة لعصر الثورة التقنية، وسباق المواهب، وماراثون الإبداع العالمي الذي لا تكف الفضائيات عن نقل مفاجآته وكرنفالاته الرائعة. غالباً ما يتساءل الشباب: لماذا مدير عام الشباب في المحافظة تجاوز الخمسين عاماً من عمره ؟ لماذا القائمون على إدارة أنشطة الشباب في مختلف المرافق والمديريات هم في أحسن الأحوال من جيل آباء الفئة الشبابية ؟ ولأن علاقتي بالشباب جيدة أجدني محرجاً في الإجابة عن مثل تلك الأسئلة، لأنني لأ أريد إحباطهم أكثر مما هم عليه.. فهم يتحدثون عن الكثير من المبادرات الجديدة التي يحملونها إلى أروقة المؤسسات الشبابية دون أن يجدوا تجاوباً معها، لأن القائمين على هذه المؤسسات وإن كانوا من المبدعين في زمانهم إلا أنهم لا يستطيعون التكيف مع أفكار وميول الجيل الجديد. فالأمر هنا ليس انتقاصاً من عطاء القيادات الموجودة بقدر ما هو دعوة لفسح المجال للجيل الجديد لتبني قضاياه والتعاطي مع طموحاته بالطريقة التي يراها مناسبة وتتوافق مع ما يدور في المحيط الخارجي. في إحدى المؤسسات الشبابية ناقش معي بعض الشباب فكرة إصدار صحيفة تتناول أنشطتهم وكان في مخيلتهم تصميم رائع للصفحة الأولى يعتمد على الصورة بدرجة أولى.. بعد أسابيع من ذلك جاءوا يحملون نسخاً من العدد الأول وعلى شفاههم ابتسامات ساخرة جداً فهمت منها في الحال أن العدد مخيب لآمالهم.. وفعلاً كان كذلك، ولم تكن الصفحة الأولى تختلف عن واجهة أية صحيفة سياسية وقد تصدرتها صورة كبيرة لرئيس المؤسسة. هناك عقليات لديها قالب واحد لكل شيء منذ أن تم تعيينها قبل أكثر من ربع قرن وحتى اليوم، وهي تجبر جميع الشباب على وضع أنفسهم داخل القالب والتكيف معه رغم انه قالب ما قبل ربع قرن، أي أنهم يدفنون الشباب في قبر قديم أكل الدهر عليه وشرب. القيادة السياسية التفتت إلى هذه الظاهرة مؤخراً وعينت وكلاء ونواباً في الوزارة المعنية من الفئة الشبابية.. وتعتقد آن الأوان ليكون على قمة كل إدارة شبابية مسئول شاب فهذا من حقهم ومن مصلحة الجميع.