يموت الناس كل يوم في كل مكان من الكرة الأرضية من الفقر والمجاعة وشحة المياه، يموتون من كوارث السيول والفيضانات، ويتشرد الآلاف في أفريقيا وآسيا بسبب الحروب الأهلية.. يموتون في العراق وافغانستان والباكستان والصومال ودارفور بسبب التدخلات الأجنبية والمؤامرات الدولية، يموتون كل يوم بلا ثمن، يموتون في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والعالم كله يعلم ذلك ولا يجدون ما يقولون سوى أن يطلبوا من الجميع «ضبط النفس» يطلبون من المعتدي والمعتدى عليه ضبط النفس، يطلبون من القاتل والمقتول ضبط النفس!!. هناك من يشعل النار في الصومال بين المتقاتلين ويزوّدونهم بالسلاح ويغرونهم بالاقتتال، ثم يطلبون منهم ضبط النفس وقبل أن تهدأ الفتن التي أشعلوها في كل مكان وهي لن تهدأ أبداً لأن هناك من يريدها مشتعلة. طلعوا بتقليعات جديدة من أسباب الخوف والقلق والهلع في النفوس، جاءوا بانفلونزا الخنازير ومن قبلها انفلونزا الطيور، وقبل قبلها مرض جنون البقر، وكلها صناعات غربية، فيها ما فيها من فبركة وإثارة وأسباب للقلق والتوتر؛ كأن هناك قوى في العالم لا تريد للعالم أن يعرف السلام، لا تريد للعالم أن يهنأ بساعة من ليل أو نهار ينعم فيها بالهدوء والسكينة وراحة البال!!. وإلا بالله عليكم ماذا يساوي خطر انفلونزا الطيور أو الخنازير أو انفلونزا القطط والفئران كما هو متوقع أن تعلن مؤسسة «توم أند جيري» عن ظهور فيروس جديد تم اكتشافه حديثاً في مناخير القط والفأر في الرسومات الكاريكاتورية.. لا نستبعد أن تبدي لنا الأيام القادمة أول إصابة ظهرت من النوع الذي لا يوجد إلا عند "توم أو جيري" وقد انتقلت عبر التلفاز ليصاب بها الأطفال الذين يتابعون هذه الرسومات هم وآباؤهم وأهلوهم جميعاً!!. وهم يعلمون أن مثل هذا الخبر لن يقلل بأي حال من حماس الأطفال لمتابعة هذه الرسومات؛ لأن العلّة قد تمكنت من نفوسهم، فلن يخسروا شيئاً، لكنهم في المقابل سوف يربحون الملايين من النقد الأجنبي مقابل اللقاحات التي يصنعونها بكميات مهولة لتغطية حاجة دول العالم وشعوبها للقاحات التي يجب أن تتوافر في كل بلد وكل قطر، بل كل دكان. لأن الهلع قد عمّ البلدان والأمصار من جراء الإعلانات والدعايات والتخويف، فإذا بالمنظمات الصحية الدولية توقف برامج الإغاثة في مساعدة أمم الأرض المحتاجة مساعدتها في القضاء على الأمراض الحقيقية مثل البلهارسيا وداء الكبد الوبائي والتيفويد والملاريا وغيرها. وبدلاً من النهوض بالبرامج الاقتصادية والإنمائية لمساعدة دول العالم في التخلص من الفقر والبطالة والمرض تصرف المليارات من العملة الصعبة للشركات العملاقة التي تصنّع اللقاحات من أجل أن تبيعها لدول العالم بالثمن الذي تريده والقيمة التي تحددها. فماذا يضير دولة فقيرة متخلفة أن تظهر فيها انفلونزا الخنازير أو الطيور أو ما شئت من هذه التسميات والمسميات حتى وإن بلغ عدد الإصابات فيها المائة أو الألف مادامت كل الإصابات، أو قل معظمها تنجو وتتماثل للشفاء إذا توفر للمريض الغذاء المتوازن والسكن الصحي والظروف الصحية السليمة؟!. أما كان من الأفضل أن تسعى هذه الشركات العملاقة المستفيدة ومعها برنامج الأممالمتحدة للإغاثة والمؤسسات الإنسانية أن يقيموا برامج حقيقية للقضاء على الفقر والمرض، والأمراض المعدية بدلاً من صرف هذه الملايين للقضاء على وهم من الأوهام التي يصنعونها، ويطلقون عليها التسمية التي يريدونها؟!. إنهم لو جمعوا انفلونزات العالم كله لا يساوي خطرها خطر مرض البلهارسيا أو التيفويد أو السرطان أو ما شئت من الأمراض التي يملأ أصحابها المستشفيات في كل البلدان النامية.