الأخ وزير الأوقاف بعد التحية .. ما من شك بأن حرص وزارتكم على تفعيل الدور المطلوب تجاه رعاية المساجد والاهتمام بها وجعلها منابر إرشاد وتوجيه ودعوة إلى الله ودينه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحيلولة دون وقوعها في شراك الدعوة إلى العنف والكراهية والمنكر وتمزيق وشتات المجتمع.. لأن المسجد كان وسيظل صمام أمان المجتمع اليمني وخط الدفاع الأول عن حُرمة الدماء وحفظ وصون الحريات والحقوق، بشرط أن يكون المسجد صورة مشرقة من حيث نظافته وتوفر الأمان المادي والمعنوي والروحي فيه. أما إذا تحول المسجد إلى بوتقة للشر والأوساخ والعبث والفوضى وسرقة الأحذية وسوء التربية والانحراف بالتعليم ليصبح أداة للتدمير بدلاً من التوعية والتغيير؛ فذلك أمر يستدعي الوقوف والبحث والدراسة والتحليل حتى تتم المعالجة وإخراج المسجد من الوضع المحزن البائس إلى وضعه الطبيعي الذي نرجوه وننشده. وإذا كانت الكثير من المساجد في بلادنا قد أحاطها اليمنيون منذ القرن الأول للهجرة بالأوقاف والأحباس التي توفر لها كامل الرعاية والاهتمام والترميم والإصلاح والتنظيف، فلماذا اندثر بعضها وأهمل البعض الآخر رغم وجود تلك الموارد المالية التي تساعدها على التجدد والتطور والاستمرار؟!. وأين ذهبت أوقاف تلك المساجد مثل مسجد معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في منطقة الجند، وأين ذهبت مدرسته العلمية التي تخرج منها خيرة العلماء الذين امتد عطاؤهم العلمي والمعرفي إلى مدارس مكة والمدينة والكوفة ودمشق؟!. كذلك مسجدا المظفر والأشرفية لهما من الأوقاف ما يّمكن لعائدها المادي أن يبني العشرات من المساجد والمدارس العلمية الملحقة بها. لكن الناظر إلى هذه المساجد التاريخية والحضارية يوقن بالعبث والضياع الذي وقف ومازال يقف وراء ضياع تلك الأوقاف التي أوقفها أصحابها لصالح تلك المساجد واشترطوا صرف عائداتها عليها وعدم صرفها في أمور أخرى، ومع ذلك تم التصرف بتلك الأوقاف وضمها إلى أملاك القضاة والحكام والمتنفذين!!. مسجد النور بمديرية الشيخ عثمان في محافظة عدن بناه المواطنون ورجال الخير وأصحاب المعروف أمثال الشيخ محمد بن سالم البيحاني والحاج هائل سعيد أنعم ومحمد علي المقطري ومحمد علي عبده وشمسان عون - رحمهم الله جميعاً - وذلك عام 1958. وتصوروا معي أن مسجد النور يضم ما يقرب من 200محل تجاري، وتدر تلك المحلات والدكاكين في الحد الأدنى ستة ملايين ريال، هذا إذا كان إيجار المحل ثلاثين ألف ريال، فما بالك إن كانت تلك المحلات تؤجر بما لا يقل عن مائة ألف ريال للمحل الواحد؟! فنترك نتيجة الحساب للأخ وزير الأوقاف ومحافظ محافظة عدن وأمين المجلس المحلي للمحافظة. أدعوهم جميعاً إلى زيارة مسجد النور الذي أصبح أشبه بخرابة، الأتربة والأوساخ طالت المسجد كله، وفُرشه يُرثى لها، والخوف أن يكون قد أصبح وكراً للعبث والفوضى، والقمامة تحيطه من كل جانب، ولا أحد يقول شيئاً!!. وكنت أتمنى لو أن مدير عام الأوقاف في عدن قد زار هذا المسجد الحزين الذي يدر على خزينة الأوقاف ملايين ولا يصرف عليه ملاليم، أليس في ذلك ظلم؟!. كما أرجو من الأخ الوزير أن يجعل صلاته هذه المرة - إن زار عدن - في هذا المسجد، ويعذرنا لو اتسخ ثوبه قليلاًَ، ففي ذلك شرف ما بعده شرف؛ لأن جزءاً من إيرادات الوزارة - لا شك - من إيجارات وقف هذا المسجد!!. كما أتمنى أن تخبرنا وزارة الأوقاف عمّا تبقى من أوقاف مسجد معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في الجند، ومسجد المظفر والأشرفية، وكل مسجد يقع تحت إهمال هذه الوزارة. مع تقديري واحترامي للقاضي حمود الهتار، والذي أعتقد أنه سيقف أمام هذا الموضوع كثيراً، وسيأخذه بجد وما جاء فيه باهتمام ونزول ميداني، وللأوقاف في بلادنا رسالة دينية وإنسانية وحضارية لابد وأن تستمر.