بقيت النظرة إلى القضاء لفترة طويلة مرهونة بما يفعله القضاة، ودائماً ماكانت أخطاء بعضهم تُعمّم على البقية وإن كان معظمهم ممن ليس فيهم نزعة عدائية للعدالة والسكوت عن التزوير وأحياناً مساعدة المزورين على الافلات من العقوبة التي ينص القانون على مضاعفتها بحق القاضي أو مساعده متى ثبت أنه أو أنهم فعلوها مستقوين بمن يدعمونهم ممن هم أعلى منهم. وكان من المستحيل توجيه اتهام بالتقصير أو اذاعة ونشر خبر عن صدور قرارات من مجلس القضاء الأعلى بناء على تقارير من التفتيش القضائي في كل من وزارة العدل والنيابة العامة تتهم رؤساء محاكم ابتدائية واستئنافية ورؤساء وأعضاء نيابات ابتدائية واستئنافية للتحقيق معهم ومساءلتهم حول مخالفات قانونية وربما شرعية لايمكن السكوت عنها. وقد كانت سمعة القضاء والقضاة لايحسدهم أحد عليها، وكل ما فعله الشرفاء منهم التزام الصمت كنوع من الحياد أوتواطؤ مع أصحاب القرار للتغطية عليهم دون أن يكون الهدف هو الاصلاح بالحسنى وحفظ كرامة من لم يحافظوا على كرامتهم كأشخاص يتحملون أمانة أخطر وأكبر من أي مسئولين أوموظفين آخرين. ومنذ فترة تمتد من تاريخ تعيين القاضي عصام السماوي رئيساً لمجلس القضاء الأعلى ورئيسا للمحكمة العليا والدكتور غازي شائف الأغبري وزيراً للعدل والدكتور عبدالله العلفي نائباً عاماً بدأ الركود في القضاء يتحرك ليس من تلقاء نفسه وإنما بفعل بعض الاجراءات التي طالت بعض المهملين والمتلاعبين في المحاكم والنيابات وديواني وزارة العدل والنيابة العامة من خلال تفعيل وإصلاح التفتيش القضائي في كل منهما. وقد كانوا موفقين في اعطاء التفتيش القضائي الدعم والصلاحية من ناحية، وتحميله مسئولية أي فساد أو استهتار بهذه المسئولية الخطيرة من ناحية أخرى, ومن ذلك حث الحكام على النظر والفصل في القضايا خاصة الجنائية في موعد زمني محدد وعدم فتح المجال لأي طرف من أطراف النزاع أومحاميهم التلاعب بالألفاظ وافساد الموظفين كأمناء السر والكتاب والموثقين، وهؤلاء, وكما نعلم, يقومون بدور تخريبي ضد الحكام ومساعديهم بالتحويل والتبديل في الأقوال والمبرزات لسنوات في كل مرحلة من مراحل التقاضي. والناس يعلقون الآن آمالاً أكثر من أي وقت مضى من أن يتمكن الثلاثة «السماوي والأغبري والعلفي» من اجتثاث الفساد والمفسدين لاستعادة الثقة بجهازنا القضائي, كما نلمس هذه الأيام ليشعر الباقون أن الحصانة ليست أبدية وأن سلطان الدستور والقانون لابد أن يخضع الكبير حتى يحترمه ويهابه الصغير ويأمن على عرضه وماله ونفسه.