في آخر تقليعة سياسية يمنية بعثت أحزاب المعارضة رسالة جوابية على دعوة الحزب الحاكم لها للحوار، تطلب فيها عقد لقاءات «أولية» مع المؤتمر للحوار من أجل الاتفاق على التحاور الذي دعا إليه المؤتمر، وتشترط «تهيئة المناخ» أولاً قبل الحوار. عندما بلغني هذا الرد اتصلت بأحد الإخوة القياديين في المعارضة وسألته عما يقصدون بعبارة «تهيئة المناخ»، فراح يتحدث عن الاضطرابات في بعض المحافظات والمعتقلين، ثم أحداث صعدة وتداعياتها، واختتم بالتساؤل : هل يعقل أن نتحاور والناس تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، والغلاء يكسر الظهور، والبطالة.. و... و..؟ ثم صمت القيادي المعارض ليمنحني فرصة التعقيب، فلم أجد ماأعقب به عليه غير كلمة «شكراً» واغلاق الهاتف، لأمضي بعدها وقتاً طويلاً من الدهشة، وأنا أتساءل مع نفسي : ياترى إذن على ماذا سيتحاورون إن اشترطوا أن يتولى المؤتمر حل هذه المشاكل كلها مسبقاً.. ؟! وهل يعقل اشتراط القضاء على الفقر والبطالة من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار..؟!.. ألا تعلم المعارضة أن المطالب التي اشترطتها مهما أخلصت الحكومة في تنفيذها فإنه يستحيل أن تجتث الفقر، وتتحرر من البطالة قبل قرنين من الآن ، يعني تأجيل الحوار حتى عام 200م؟! اتصلت بأحد الزملاء لأخبره رد المعارضة على دعوة الحوار، فضحك كثيراً وحمد الله ألف مرة، لأنها لم تشترط القضاء على القات.. فقلت له: هذا الشيء الوحيد الذي يستحيل أن تعتبره الأحزاب مشكلة وطنية، لأنه لولاه لما جاء الرد على دعوة الحوار على تلك الشاكلة، فلقد كنت على علم بالصخب الذي دار داخل اجتماع هذه الأحزاب، وخلافاتها فيما بينها البين. مشكلة الحوار في اليمن ستبقى قائمة إلى أجل غير مسمى، طالما هناك من يعتقد أن على السلطة محاورته طويلاً لإقناعه بجدوى الحوار أولاً.. وطالما أيضاً أن قيادات هذه الأحزاب تخشى أن يقود الحوار إلى حل المشاكل الوطنية، وتحسن أوضاع الناس المعيشية، وبالتالي ستفقد فرصة «الاطاحة» بالسلطة بفقدانها أوجاع ومعاناة الناس.. وعليه، فإن القناعة الوحيدة التي تترجم المعارضة سياساتها عملياً هي كيف تزيد المعاناة الشعبية، وتضاعف الأزمات، وتشيع الفتن والصراعات الداخلية من أجل «تهيئة المناخ» ليس للحوار، ولا لتعزيز الديمقراطية، وإنما للتمرد الشعبي، وفوضى العنف التي يستحيل لدولة كبحها بسهولة، لأنها فوضى تسير على جثث الآلاف من أبناء الشعب، حيث سيجد كل هواة العنف ألف عذر وعذر للفتك بالآخرين ونهبهم ، على غرار تجارب بلدان عديدة في المنطقة ، بل حدثت في اليمن أيضاً حين لم يجد الإمام أحمد بن حميد الدين سبيلاً لقمع الثورة اليمنية واستعادة العاصمة صنعاء غير إباحتها للقبائل التي فتكت بأبنائها وتداعي اللصوص من كل صوب فقطعوا حتى أكف النساء من أجل خاتم.. وهكذا هو حال مايسمونها ب«الفوضى الخلاقة».