يقف المرء - كثيراً - حائراً متأملاً، ما يبرز بين فينة وأخرى من محاولات البعض استغلال رحيل قامة أدبية أو فكرية أو فنية أو غير ذلك من النوابغ في مجالات الحياة المتنوعة،أو ترقب حلول ذكرى رحيل هذه القامة السامقة أو تلك لتسجيل حضور إنساني نبيل على حساب هذه الكواكب النيرة والمنيرة في حياة المجتمع، فهذا البعض الذي يحاول امتطاء ظهور الراحلين الأحياء، روحاً ونبضاً وفكراً وإبداعاً، في حياة الناس، الراحلين الذين كُتِبت أسماؤهم بماء النور في دفتر الخلود الإنساني، يعمد مثل هؤلاء الأقزام الذين استطاعوا القفز عنوة إلى فضاءات الكتابة وسماء المعرفة، إلى تدبيج آهات الألم والحسرة بفقدان الراحل الكبير، ويطرزون سواد صفحاتهم بما يظنونه يضعهم في حدقات المحبين والعاشقين لتراث هذا المبدع أو ذاك. عادت هذه الظاهرة بقوة في الأسبوعين الماضيين إثر رحيل الشاعر والملحن الغنائي الكبير عمر أبوبكر العيدروس، بمدينة المكلا في التاسع من يوليو الجاري، وقد ظل هذا العملاق الشعري واللحني يعاني نوبات المرض زمناً طويلاً ولم يلتفت إليه (دهاقنة) الصحافة والإعلام المحلي بحضرموت،على قلّتها وخيبتها، تماهياً مع الإهمال الرسمي للسلطة المحلية بالمحافظة، فهم منشغلون - كعادتهم - بسفاسف الأشياء، وهذا ديدنهم الدائم، وهو فيه منغمسون ومنه يمتحون. عادة استمرأها هؤلاء الدخلاء ليجمِّلوا وجوهاً لهم بائسة يابسة، هي إلى صورة الموت ألصق، إذ أنهم - كعادتهم - لا يخجلون من التسلق على جثث الأحياء فكيف بهم يرحمون أجساد الراحلين الأحياء، على الرغم من كونهم أول من هال تراب النسيان والصمت على المبدع الكبير وقد كان بين ظهرانينا، لم نجد لهم - الأدعياء - حضوراً حقيقياً لإنصافه أو نشر شكواه ووجيعته، والاقتراب من همومه ومعاناته اليومية، خاصة، وهم يعلمون مثقال وزنهم لدى هذا العلم الإبداعي الباذخ، ويدركون جيداً حقيقة ذواتهم المتضخمة بفعل فاعل، ودعم فاسد، و(دهفة) متنفذ. أليس عيباً على هؤلاء ، وهم ميتون أحياءً، أن يمتطوا روح وتاريخ وتراث وإبداع هذه القامة الراحلة، وهي باقية؟!، أليس من سخرية الواقع وعبثيته، أن يمتدح هؤلاء هذه القمم التي مازالت حاضرة وستظل في ذاكرة الأمة، في حين نراهم منسيين وهم بيننا لا يشعر بهم أحد ولا يلتفت لصنيعهم عابر سبيل؟!. حالة تشرح ثقب الذاكرة التي تحملها هذه الأسماء التي بليت بها صحافتنا ومجلاتنا ووسائطنا الإعلامية الأخرى، حالة تظهر بجلاء المأزق الفكري والثقافي الذي سقط فيه المجتمع، لصمته وتواطئه معها، وعجزه عن كشفها وتعريتها حتى تعود إلى صوابها وتبتعد عن الحديث عن أحياء الوطن وعبقريات الأمة، وتدع هذه القامة للناس تحتضنهم وتحتويهم وقد شكلوا حياتها ولونوها بألوان الحب وعشق الحياة، فهل يفعلها الميتون، أم إنهم يصرون على أنهم أحياء؟!.. وكفى.