في حياة الكثير من المجتمعات نماذج إنسانية متفردة تظهر كبرقٍ لامعٍ يوشى بضياء خاطف في عتمة مستبدة ومستفحلة في زوايا المكان الذي تضيئه هذه الشخصية المتفردة - النموذج - زمناً يظل قصيراً ، وإن امتد به العمر كثيراً ، فاللحظة الخاطفة في السماء عمرها كثير في حسابات أهل الأرض . فكيف يكون الحال عندما تكون هذه الذات الرائعة قد ظهرت واختفت فجأة ودون أن يلتفت إليها أحد ، فكأنها نسمة (برود) ندّى جفاف أيامنا وزمهريرها العاصف؟!. كذلك كانت الشخصية التربوية الرائدة والعلامة الثقافية والأدبية والصحفية علي عبدالله سالم البيتي ابن قرية (محمدة) بوادي حجر في حضرموت ، واللافت في حياة هذه القامة التربوية والثقافية أنها لم تقف عند دورها العملي الرسمي في مجالها التربوي الذي أفنت فيه (35) عاماً مكللا بملاحم من العطاء والبذل والإيثار منذ البدايات في عام 1970م إلى صبيحة الرحيل النبيل في غرة شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار رمضان الكريم الموافق الفاتح من سبتمبر الجاري ، رحيل بدا للكثير منّا الذين عرفناه شعلة نشاط وحركة وبذل صاعقاً لم نستوعبه في حينه ، رغم إيماننا المطلق بأن تلك إرادة المولى جلّ شأنه ، ولكنني وقد عدت لمسيرة رجل الوفاء في أيامه الأخيرة وتفرست في ملامح وجهه أيقنت أن أستاذي كان - طيب الله ثراه - يذوي بين ظهرانينا ونحن لاهون عنه ومنشغلون ، وهي آفة العصر التي سقط فيها الكثير ، إن لم يكن الكل ، فلم يعد يلتفت أحد إلى معاناة الآخرين إلا من رحم ربي. لم تقف هذه القامة السامقة عند منعطف الرحيل التقاعدي ، بل ذهبت إلى الاستمرار في خدمة رسالتها التربوية النبيلة كمستشار يستشار في مكتب تربية حضرموت الساحل ، بعد أن صدر القرار (431) لوزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي على غير المعتاد في مثل هذه التوصيفات الخالية من الفعل ، وظل يعطي من جهده وفكره الكثير ، ولم يأنس لهذه المكانة الاعتبارية الجديدة فقط ، فنجده يعمد إلى المساهمة بقوة في المشهد الثقافي والأدبي كمحاور رقيق وهادئ في الفعاليات الثقافية الأسبوعية لاتحاد أدباء المكلا ، وينشط بالكتابة في الصحافة المحلية من خلال أعمدته الشهرية (تأملات متقاعد تربوي) في نشرة أخبار التربية الصادرة عن مكتب تربية حضرموت ، و(شذى من الماضي) في حضرموت الثقافية الصادرة عن فرع اتحاد أدباء المكلا ، و(نافذة) في صحيفة المسيلة لسان حال حزب المؤتمر بساحل حضرموت ، و(نحن وهم) في صحيفة شبام الحكومية الأسبوعيتين وكلها تصدر في مدينة المكلا بالإضافة إلى مقاله الفصلي في نشرة (التربوي) الصادرة عن تربية الشحر ، وهناك الكثير من الدراسات والبحوث التي نشرها تباعا في عدد من المجلات كالرسالة التربوية والفكر ونشرة الحومة وغيرها ، كل هذا الحضور الثقافي والصحفي في حياة حضرموت كانته هذه الشخصية التي مرّت كلمعة برق في ليلة دامسة ، إلا أننا لم نعرها الاهتمام الذي تستحقه ، وتلك نقيصة فينا ، ولكننا نرميها على الظروف والإمكانيات.. رحم الله الأستاذ علي عبدالله البيتي واسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.