إن المتتبع لأمر وواقع وفساد وخراب الصحة في بلادنا كقيمة وخدمة ومؤسسات يصاب بالذهول والخيبة لما آلت إليه المستشفى في بلادنا من إهمال وتسيب وفساد ضمائر، وتحول مفجع في الوعي المهني والإنساني والأخلاقي لدى الطبيب اليمني وكل المنتسبين إلى الصحة في بلادنا!!.. يوجد الطبيب المتألق النظيف والوطني الشريف المؤمن بأخلاقية تلك المهنة، وكذا الصيدلي والمخبري والممرض الذين مازالت ضمائرهم حيّة ولم ينجرّوا بعد إلى هذا المنحدر الإنساني والأخلاقي؛ لكنهم أصبحوا قلة قليلة وربما حوربوا بشراسة من قبل عتاولة الفساد وعبّاد المال ومصاصي دماء البسطاء، وتم إقصاؤهم وإبعادهم بتهمة النظافة والشرف، يا سبحان الله!!. هنالك مسافة كبيرة بين ما ترصد لوزارة الصحة من ميزانيات، وما تستقبل من هبات ومنح إقليمية ودولية وقروض، وبين ما تقدم من خدمات هزيلة ومتواضعة، وما يجده المواطنون من متاعب ومعاناة في المستشفيات الحكومية، وما تقابل انسانيته وحاجته من إهمال واستغلال بشع، واستنزاف مادي لا يذهب إلى خزينة الدولة وإنما يقال للمرضى وأصحاب العمليات: "هذا المبلغ للطبيب الجراح الذي سيجري العملية" وهذه المطالبة تأتي عبر سماسرة المستشفيات من ممرضين ومساعدي أطباء، والمواطن مجبر على الدفع ومقهور لا يجد من يسمعه، فيتم الاستفراد به واستغلاله باسم الصحة المفقودة في مستشفياتنا الحكومية. المصيبة التي تطارد مؤسساتنا الصحية هي الإهمال والتسيب وفقدانها للطموح والتميز والمنافسة كطاقة وخطط وبرامج وتأهيل وتغيير وتبادل خبرات وتوسع أفقي ورأسي، مادي وبشري، وإدارة إعلامية تراقب كل نجاح وتنشره، مثلما تفضح كل خطأ وعبث وتحذر منه وتطالب بسرعة محاسبة العابثين ومعالجة الخطأ وإصلاحه وقدرة الإدارة على الاستفادة من الأخطاء والشكاوى في التغيير السريع بالأفضل مهنياً وأخلاقاً ونظافة يد وتفانٍٍ في خدمة المرضى والمترددين على المستشفى، وليس بالمقربين من شلة العبث وأصحاب المنطقة وحمران التوصيات. كان حلم المواطن اليمني أن يرى مستشفيات بلاده وأطباءها ومختبراتها وكادرها الدوائي وممرضيها ونظافة مبانيها وأقسامها في تنافس كبير مع ما لدى اخوتنا في البلدان المجاورة والمحيط العربي؛ لكن حلمه خاب وتحول إلى حسرة كبيرة مما آلت إليه مستشفيات الدولة من تدهور وإهمال وخراب، فُقدت الثقة بهذه المؤسسات، حتى إن مديري تلك المستشفيات وأطباءها لا يثقون بأنفسهم، والدليل على ذلك أنهم لو أصيبوا بحمّى طاروا مسرعين إلى القاهرة أو عمّان أو ألمانيا!!. في بعض مستشفيات مدينة تعز بعض الأطباء يغادر المستشفى الحكومي بعد ساعة من توقيع الحضور، يتجه مسرعاً إلى أحد المستشفيات الخاصة التي يتواجد فيها، ويعمل بجد واجتهاد، يستنزف وينصب على المواطنين البسطاء الذين يواعدهم إليها خلسة وعبر سماسرته من الممرضين، حتى إذا كانت الواحدة ظهراً رجع متضجراً ومنهكاً، يصرخ في وجوه المسحوقين في طارود المستشفى وأمام عيادته: «عودوا غداً، الطبيب في غرفة العمليات» وماذا أمام المساكين غير الصبر ورفع اليدين إلى السماء، النجدة، النجدة من هؤلاء الشياطين. أين إدارات المستشفيات الحكومية، ونوابهم؟! الخوف أن يكونوا هم أيضاً يزوغون باتجاه المستشفيات الخاصة؛ لأن بعضهم شركاء فيها إن لم يكونوا أصحابها؛ لأنهم معنيون بالنزول إلى أقسام وعيادات ومختبرات مؤسساتهم وتفقد حالة المسحوقين والمطحونين في مشافيهم، ومتابعة الأطباء واحداً واحداً، والوقوف أمام نتيجة مخبرية واحدة على الأقل لمعرفة الدقة في التشخيص أو اكتشاف الإهمال والتسيب وإيقافه حتى لا يتمادى ويتحول إلى كارثة وطنية. لن نطالب وزارة الصحة بإصلاح المستشفيات الخاصة ومراقبتها، لأنها فشلت وللأسف في إصلاح المستشفيات الحكومية وانتشالها من وضعها المأساوي، وعززت لدى المواطن اليمني فقدانه للثقة بها، حتى حوّلته إلى ضحية سهلة للمستشفيات الخاصة ومصاصي الدماء وعديمي الضمائر، فقد اكتشف الناس أن أصحاب هذه المستشفيات أكثر حباً وعبادة للمال من اليهود، لا يجد لديهم المواطن غير الفواتير الباهظة والكذب المعسول، وموت الضمير!!. المتعارف لدى رجال الصحة في العالم أن الطب هو التشخيص، ومع ذلك تم تجاهل هذا المبدأ وعدم الاهتمام به، فتجد المختبرات في كل مستشفى أسوأ من أختها، وهكذا يتم خروج نتائج مخبرية مضحكة وساخرة من حق المواطن في حصوله على نتيجة تشخيص صادقة. المختبر المركزي بتعز يعيش في عنق المكان، ولا أعتقد أن ما هو عليه في المستشفى الجمهوري بتعز يرضي المحافظ ووزير الصحة، والمبنى المخصص له قد تم تجهيزه قبل ثلاث سنوات ولم يبق سوى إدخال الكهرباء والماء إليه، ولا يتعدى المبلغ أربعة ملايين ريال حسب كلام الأخ مدير عام المختبر المركزي في تعز الدكتور راجح المليكي، فهل يُعقل أن يقف هذا المبلغ حائلاً أمام هذه الخدمة التشخيصية المنتظرة؟!. فهناك من رجال الخير في المدينة الحالمة من سيتفاعل مع هذا الموضوع ويتحمل نفقات إدخال الماء والكهرباء وتأمينها أيضاً بالكهرباء الاحتياطية اللازمة لهذا المرفق المهم في حياة المواطنين، ورجال الخير كثيرون في بلادنا. إلى محافظ تعز والمجلس المحلي في المواسط .. في عزلة قدس، وفي وادي الأشروح بوجه خاص، تكاثر البعوض بشكل مخيف إلى درجة أصبح الناس في هلع مما يحمله من أمراض وعدوى، فيا حبذا لو وجّهت سيارة الرش لمكافحة هذه الآفة ووقاية آلاف المواطنين من المعاناة ومدّهم بالوسائل الوقائية اللازمة خاصة إذا ما علمنا أن المركز الصحي لا يقدم خدمة صحية تُحترم للمواطنين بسبب مشاكله المزمنة.