يحل علينا شهر رمضان المبارك ليكسر روتين الحياة اليومية المُعتادة طيلة شهور السنة ، وبعد طول انتظار يُستقبل هذا الشهر الفضيل بشغف شديد حيث تشتاق الأرواح لنفحاته والقلوب تتلهف شوقاً بقدومه ، إذ يحرص المسلم في الشهر الفضيل على تغيير نمط حياته وتحسين مستوى سلوكه للأفضل ويتخلى عن الكثير من العادات والسلوكيات السيئة ويسعى إلى تنقية الروح وتزكية النفس وترويضها ، وينصرف إلى الطاعات وارتياد المساجد ، فرمضان شهر يحمل معاني خيّرة تسمو بروح الإنسان ، وهذه السمة ينفرد بها وتضفي عليه لوناً مختلفاً ومذاقاً خاصاً عن بقية شهور السنة . بتبادل التهاني والتبريكات يتم استقبال شهر رمضان المبارك ويتوجه الناس لشراء كل ما يلزم من الحاجيات الضرورية والتي عادةً تخصص لهذا الشهر فقط ، وروحانية الشهر الفضيل مستمدة من مظاهر استقباله والاحتفال به ، ففي هذا الشهر يحظى المسلم بجو عائلي يسوده التسامح والتراحم والألفة والتواصل الدائم ، ويتحفز طيلة أيام هذا الشهر في المداومة على الصلاة والصلوات النافلة وتلاوة القرآن والإكثار من الدعاء والاستماع إلى الوعظ والنصائح مما يساعد كثيراً على لين القلوب ويبث فيها حرارة الإيمان وكل ذلك ابتغاء مرضاة الله . بعض الأفعال والعادات السيئة في رمضان تفسد من روحانية هذا الشهر وتدريجياً تتلاشى هذه الروحانية فلم يعد هناك قيمة حقيقية لمفهوم الصيام وشعور الإنسان بالظمأ والجوع لمعرفة معاناة الفقراء بعد أن أصبحت الموائد تمتلئ بكافة أنواع الأطعمة مما لذ وطاب ، كما أن روحانية رمضان لا تقتضي التفرغ للعبادات، بمعنى آخر هناك تقليص لعدد ساعات الدوام الرسمي في مرافق العمل خلال شهر رمضان الكريم ورغم ذلك يوجد من يتهاون في تأدية عمله على النحو المطلوب ، وهناك عدد من الموظفين يحضرون إلى مواقع عملهم متكاسلين غير قادرين على إنجاز ما يكلفون به من مهام ، وكأن رمضان شهر النوم والكسل وتوقف الحياة حيث يقل الإنتاج والمثابرة والجد وتتقلب أمزجة الناس ويصبح البعض في حالة شديدة من العصبية والتوتر ليس ذلك ناتجاً عن الصيام بل من السهر حتى ساعات الصباح الأولى أمام شاشات الفضائيات والنوم نهاراً مما يفقد الإنسان حيويته ورغبته في العمل والنشاط ويعتاد على الخمول . وأكثر ظاهرة ملفتة للنظر وتزداد خلال هذا الشهر بفارق كبير عن بقية شهور السنة وتعطي انطباعاً وتصوراً غير حضاري عن مجتمعنا ألا وهي التسول وازدياد عدد الشحاذين في الشوارع والأسواق العامة وأمام المساجد والمحلات ، حيث يستغلون روحانية الشهر الفضيل ويغتنمون الفرصة لامتهان التسول واستجداء المارة واستدرار عطفهم بحجة كسب الأجر ويلجأون إلى استخدام حيل مبتكرة كتقديم وصفات وتقارير طبية أو استغلال إعاقة وعاهة ما موجودة في الجسد لعرضها أمام المارين لإثارة مشاعر الناس ، والتسول ظاهرة لا تعكس واقع الفقر والفقراء فمثل هؤلاء - الفقراء والمحتاجون - أغنياء من التعفف ، إنما تمثل لدى الكثيرين سلوكاً منحرفاً عندما يبتكر الوسائل لجني الأموال نتيجة وجود إشكالية في القيم والمبادئ . هكذا تضيع روحانية رمضان أمام ممارسات وأفعال سلبية تحول دون استغلال الحدث واغتنام الفرصة لإحداث تغيير جذري ونقلة نوعية قد لا تتوافر في وقت لاحق .