أمر اله المسلمين بالصيام عن الأكل والشراب والمُتع الشرعية في نهار شهر رمضان المبارك كعبادة روحية سامية تستجيب لتعاليم الخالق والتفكير بقدرته وعظمته في الكون، على أن يصاحب هذا الصيام لتحقيق الغاية منه كثرة العبادة والعمل الصالح وخدمة الناس والمجتمع، وليس قلة العمل وكثرة النوم في النهار والسهر في الليل وتضييع الساعات في الاسترخاء والتفنن في سبل التهرب من تأدية الواجبات العملية تجاه الآخرين والاستغراق في الانشغال بأصناف المأكولات والإفراط في التهامها منذ مغيب الشمس حتى طلوعها طوال أيام الشهر الكريم. للأسف فقد أصبح شهر رمضان لدى الكثير منا شهراً للإجازات وممارسة طقوس الكسل والأكل واللهو والسهر ومشاهدة برامج التلفزيون وترك العمل، وتنامي النزعة الاستهلاكية في المجتمع على حساب نزعة العمل والإنتاج والعطاء. فما أن يطل شهر رمضان حتى يبدأ لدى الكثير من الموظفين برنامج الصيام عن العمل، ومقاطعة كل شيء له صلة بالمقاصد الحقيقية لهذا الشهر العظيم، فرغم تخفيض عدد ساعات العمل من ثمان ساعات إلى خمس ساعات، فإن الكثيرين تتلبسهم حالة من الكسل والرغبة في تضييع الوقت، وتتعطل عجلة الإنتاج لتصل إلى أدنى مستوياتها القياسية خلال هذا الشهر الفضيل، وفي مقابل هذا التدني الإنتاجي تتضاعف معدلات الاستهلاك في السلع الكمالية والغذائية، مما يكبد اقتصاد بلد يعتمد على الاستيراد كاليمن لخسائر فادحة يصعب تعويضها خلال أشهر السنة الأخرى إن تعطيل عنصر الإنتاج في المجتمع خلال شهر رمضان يأتي مخالفاً لتعاليم الإسلام التي تدعو إلى بذل الجهد وتحقر الخمول والتراخي في العمل، والتي تعبر عن دلالات اقتصادية ترتبط بضرورة استغلال عناصر الإنتاج وتوظيفها بمختلف مناحي الاقتصاد الوطني على أكمل وجه، فلا ينبغي أن نتعامل مع رمضان وكأنه عقبة أمام العمل والإنتاج فهو شهر للصيام عن الأكل وليس للصيام عن العمل، بل يجب أن يكون شهراً يعطي حافزاً روحانياً متجدداً للعمل والإنتاج، فما أروع أن يجني الصائم ثمار إخلاصه في عمله في الدنيا مردوداً اقتصادياً ينتفع به اقتصاد بلده ويلقى في الآخرة جنة عرضها السموات والأرض.