أضاع قافلته في عرض الصحراء فتاهت به الدروب وتقطعت به المسالك، يبحث عن الحياة في وادي الهلاك، يتراءى له السراب قطوفاً دانية ليصبح على صريم وأثل وشيء من سدر قليل، يندب حظه على خرائب أجداده، وبدلاً من إماطة اللثام عنها ليغازل ببريقها العيون الشقراء للقادمين من خلف البحار ويخرج نفسه من مربع العوز والفاقة يواصل التغني بأصل العرب وجميعهم مروا من هنا. إنه العقل اليمني الذي يعاني صداعاً شديداً بعد أن أوقعوه في براثن التفكير المتحيز والأوهام المقدسة والقراءة الخاطئة للتاريخ والأحداث، كلما حاول الخروج إلى فضاء الحرية والمساواة شدوا وثاقه إلى جذع العصبية والقبلية والسلالية وغيرها من دعاوى الجاهلية حفاظاً على المكانة المصطنعة والشرف الزائف. شيوخ قبائل يعاشرون الديمقراطية في مخدع الأقيال والأذواء ويديرون إقطاعيات تئن تحت سطوة الكنيسة يسندهم خلفاء «بركتنا» الذين يضربون على الأعرابي حجاباً ويلقنونه «أبجد هوز...» شريطة إيمانه بالمسلمات والغيبيات وتجنب إعمال الفكر أو الاستفهام. جماعات وفرق كل واحدة تلعن أختها «الناسوت» يفترون على «اللاهوت» ويتكسبون باسمه في الظاهر والباطن، والولي الفقيه نفد صبره فنصّب نفسه قائماً بأعمال الإمام الذي طال انتظاره، فيما أصحاب مؤلَّف «الكلب العاوي والبركان في نسف جامعة الإيمان» يشددون على التمسك بالجوارب والسواك وعدم الحاجة إلى العلوم الدنيوية بحجة أن منكراً ونكيراً لن يسألا الواحد منا عن الكيمياء والفيزياء ليحمل الإخوان المفلسون مشاعل التنوير من «مذبح إلى قندهار» ومنها إلى «جوانتانامو وباجرام». ندفع ثمن الوفاء لوصية «كليب» ثارات تأكل الأخضر واليابس وتفسح المجال ل«أمراء الظلام» ليخوضوا حروب المنابر ويلقنوا الأجيال ما أودعوه لدى «السعواني» و«الكامل» فإلى متى سيظل العقل رهينة لأعراف القبيلة والفتاوى العقيمة ؟!