بحكم مايدور في فلك المجتمعات القبلية من صراعات بينية مسلحة، فإن الغالبية من اليمنيين يضع الأحداث الدائرة في صعدة بمقاسات التجارب القبلية، ويبين خلاصات الحرب ومتطلباتها، وتوازناتها الميدانية على أساس من ذلك، في الوقت الذي لامجال لمقارنة الحالتين إطلاقاً.. فعندما تدخل الدولة حرباً فإن نطاقها الجغرافي لايتحدد بميدان المواجهة المسلحة الذي تدور فيه المعركة، لأنها مسئولة عن البلد بأكمله، وبالتالي فإن كل شبر من اليمن معرضاً أن يكون هدفاً للخصم، خاصة عندما يكون الخصم مجاميع إرهابية، لاتتوانى عن الاتيان بكل فعل إجرامي، أو التخفي في أوساط المدنيين واتخاذهم دروعاً بشرية، أو التحالف حتى مع الشيطان لبلوغ مآربها. فمن الخطأ أن ننتظر الإعلان عن حسم آني سريع لمعركة من ذلك النوع.. فالمتمردون يمنيون، يتحدثون اللهجة اليمنية، ويتحركون بزي يمني، وعندما تشتد على بعضهم أوار المواجهة يخفون أسلحتهم ويندسون بين المدنيين أو النازحين.. وتلك من أكبر إشكاليات الحرب، لأن الدولة ليست«بوليسية» لتزج بمن هبّ ودبّ في السجون، وتعذبهم حتى يعترفوا على بعضهم البعض- كما هو سائد في بعض البلدان- علاوة على أن الدولة ليست«دموية» لتصب نيرانها على رؤوس الأحياء المدنية التي يلوذ إليها المتمردون كلما ضاقت بهم السبل.. لابد أن نعرف أن للدولة مسئوليات دستورية، وإنسانية، وأخلاقية، وسياسية، وإذا ماأخلت بها لن تجد موقفاً شعبياً مؤازراً لحربها، وستفقد أيضاً تعاطف المجتمع الدولي، الذي لايتأخر عن بلورة موقف مناهض لممارساتها.. لذلك فإن بمراعاتها كل ذلك تخوض الحرب بحذر شديد، وبمسئولية، تضعها على الدوام في الجانب الآمن دستورياً، وشرعياً، وشعبياً.. خلافاً لما يحدث في الصراعات القبلية في إطار مساحة جغرافية محدودة جداً، وتحت سقف داخلي غير مرتبط بأي مواقف خارجية، وفي معظم الأحيان تحسمه في النهاية الأعراف القبلية. في الحالات المماثلة لحرب صعدة، فإن الإرادة الشعبية الوطنية التي تلتف حول القيادة السياسية هي العامل الأهم في حسم المواجهة، وهذه الإرادة لم تتبلور في اليمن إلا بعد ان تفهمت الساحة الشعبية الأبعاد الخطيرة للتمرد الحوثي، وأهمية فرض الدولة لسيادتها على كل شبر يمني من أجل استقرار اليمن وسلام شعبها.. فالرأي العام اليمني على قناعة تامة بأنه لو كل قوة وطنية تحشد ترسانة حربية كالتي حشدها الحوثي لفرض مطالبها، لتحولت اليمن إلى بحر دماء طافح، لأن الديمقراطية خيار من أجل الأمن والسلام، وليس باباً لفوضى التسلح بين القبائل، وإراقة الدماء. لاشك أن الحرب خيار بغيض على السلطة لكنها في مثل حالة صعدة تكون «الشر الذي لابد منه» وهي أشبه بالسرطان الخبيث الذي إن أصاب الجسد ولم يتم بتره امتدت عدواه إلى كل جزء حتى تميت الجسد بأكمله.. وهي قد تكون عملية جراحية وتستغرق وقتاً، لكن الأهم هو أن الجسد اليمني سيتعافى من هذا الداء القاتل، ويواصل الحياة بغير أنين موجع..